فى ثانى خطاب له عن حالة الاتحاد مساء الثلاثاء الماضي، بدا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب متحمسا بدرجة جعلته يبدأ خطابه قبل أن تقدمه نانسى بيلوسى رئيسة مجلس النواب، كما هو العرف المتبع بالعبارة التقليدية، «إنه لشرف عظيم أن نرحب بالرئيس فى مجلسنا». تخلل الخطاب تصفيق حاد من الجمهوريين أعضاء حزبه، بينما جلست نانسى فى مقعد خلف ترامب وبجوارها نائب الرئيس. وكما توقع البعض، استطاعت من مقعدها هذا أن تسرق الكاميرا فى لحظات عديدة، وتبعث برسائل مختلفة دون أن تتكلم. من خلال لغة الجسد أعلنت نانسى عدم اتفاقها مع كثير من النقاط التى تطرق إليها ترامب. ورغم أنها صفقت بحماس فى بعض الأحيان، عندما تعلق الخطاب مثلا بالروح الوطنية أو انجازات المرأة، إلا أنها آثرت أن تظل جالسة معظم الوقت، تقلب عينيها فى دهشة وعدم تصديق أحيانا، أو تقرأ فى أحيان أخرى فى أوراق بين يديها، وكأنها تعانى الملل. وبلغت حركة الجسد ذروتها عندما دعا ترامب لمزيد من التعاون بين الحزبين بدلا من الانقسام والاستقطاب، قائلا، «علينا أن نرفض أساليب التشفى والانتقام وتخليص الحسابات وننزع بدلا من ذلك للتعاون والمرونة والمصلحة المشتركة». هنا وقفت نانسى مائلة بجسدها قليلا للأمام باتجاه ترامب لتصفق وقد وضعت كفيها الواحدة فوق الأخري، ليس تعبيرا عن الاتفاق مع ماقاله بل للسخرية والتهكم. وقد دخلت نانسى بهذا التصفيق تاريخ هذه المناسبة السنوية المهمة، وصارت مشهدا متكررا فى البرامج السياسية الترفيهية، كما تسيدت تويتر عندما تم تداول اللقطة أكثر من 22 ألف مرة. وقد دخل الخطاب نفسه التاريخ باعتباره ثالث أطول خطاب اتحاد يلقيه رئيس أمريكي، حيث بلغ ساعة واثنتين وعشرين دقيقة. ولم يحسم الخلاف بين ترامب والديمقراطيين حول بناء الجدار الحدودي، وهو الخلاف الذى أسفر عن إغلاق الحكومة الفيدرالية الشهر الماضي، والذى قد يتجدد فى المستقبل القريب. ورغم أن الخطاب حظى باستحسان بالغ بين نسبة كبيرة ممن شاهدوه ، وهم فى الغالب من أنصار ترامب، إلا أن مضمونه كان موضع ملاحظات من المراقبين السياسيين. ديفيد فروم، كاتب خطابات جورج دبليو بوش، يقول إن أفضل خطاب يجب أن يتضمن إلى جانب الأهداف بيانا بطريقة تحقيقها. من ثم ينتقد إشارة ترامب مثلا لتحديث البنية الأساسية دون أن تكون لدى إدارته خطة واضحة بهذا الشأن. أما بيتر بينارت، أستاذ الصحافة والعلوم السياسية بجامعة مدينة نيويورك، فيرى أنه خلافا للعام الماضي، اختار ترامب هذه المرة موضوعات تلقى قبولا بين مؤيديه، كالهجرة وزيادة فرص العمل وتأكيده على الانسحاب عسكريا من الشرق الأوسط، قائلا إن الدول العظيمة لاتدخل فى حروب لانهاية لها. وقد استخدم ترامب نموذج فنزويلا للهجوم على النهج الاشتراكي، مؤكدا أن أمريكا التى قامت على قيم الحرية والرأسمالية والديمقراطية لن تتحول للاشتراكية. فى هذا السياق هاجم ببراعة النزعة الاشتراكية المتنامية داخل الحزب الديمقراطى المنافس، ولو أن أنصار هذا النهج يطلقون عليه «الاشتراكية الديمقراطية». وفيما دأب رواد الاشتراكيين الديمقراطيين على استلهام النموذج الاسكندنافى لرؤاهم الاشتراكية بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية، جاء ترامب ليستعدى ضدهم قطاعات من الأمريكيين الذين ينظرون للاشتراكية بكثير من الكراهية والخوف باعتبارها أحد وجوه النظم السلطوية. يرى بينارت أن خطاب ترامب لايتعلق كثيرا بحالة الاتحاد بقدر ما يمكن اعتباره تدشينا لحملته الانتخابية القادمة فى 2020.