«عندما يمتزج الحلم بالعمل يشرق الإبداع، وعندما يلتقى الطموح بالإصرار يولد الهدف». هذه المقولة طبقها المايسترو وحيد الخان، الموسيقار البحرينى الشهير الذى منح ملايين المشاهدين العرب فرصة المتعة السمعية وهم يتابعون أعماله المستمدة من التراث، خاصة التراث البحرينى الشعبى. هو فنان بحكم الدراسة الأكاديمية، وأيضا من خلال الممارسة والخبرة، حيث تخرج عام 1982 من معهد الكونسرفتوار فى القاهرة، متخصصا فى آلتى «الأبوا» و «البيانو»، وحصل على درجة الماجستير فى «علوم موسيقى الشعوب»، كما أسس أول معهد كلاسيكى للموسيقى فى البحرين، وقام بتصميم وإخراج العديد من عروض الوسائط المتعددة فى الاحتفالات والأحداث الدولية الكبرى. وفى الفترة الأخيرة طرح ألبومه الجديد «العودة.. روح البحرين» الذى يتضمن عشر مقطوعات موسيقية، ويصنف ضمن «موسيقى العالم – World Music»، وهو قائم على التأليف الحر الذى يستلهم بعض الألحان والأهازيج من التراث الموسيقى البحرينى. وقد شارك «الخان» فى مهرجان الموسيقى العربية الأخير. وعن ألبومه الجديد وسر ابتعاده عن الموسيقى لمدة 15 عاما كان للأهرام معه الحوار التالى: ألبوم «العودة» الذى عزفت معظم مؤلفاته فى مهرجان الموسيقى العربية الأخير يستلهم ألحانا وأهازيج فلكلورية بحرينية لكن الموسيقى فيه بنيت على قوالب أوركسترالية ونسق غربى وهذه المسألة فيها صعوبة شديدة.. كيف فعلت ذلك؟ بهدوء وثقة قال: فعلا المسألة صعبة لهذا أخذت أكثر من سنتين فى تنفيذ هذا الشكل الجديد على الأوركسترا، وكانت المشكلة فى كيفية إيجاد صيغة أضع فيها أعمالا مستلهمة من التراث وأغنيات شعبية شهيرة بشكل تستسيغه الأذن الغربية التى تستصعب الإيقاع المركب، فثقافتهم ليست إيقاعية، وبعد فترة وجدت الصيغة، حيث قمت بإدخال الآلات المحلية بمصاحبة الآلات الشرقيةوالغربية. والمعروف أن موسيقى منطقة الخليج تمتاز بالآلات الإيقاعية والنسيج الإيقاعى الدسم، لكنى راعيت عدم الزج بالإيقاع الخليجى بالشكل التقليدى المستمر، وإنما أسبغت عليه بعض الخصوصية. هذه التجربة سبق ونفذتها فى بداياتى فى مصر لكن بشكل أبسط من خلال أوركسترا مصرى، وكانت عبارة عن تنويعات على لحن شعبى أعدتها فى الألبوم الجديد بشكل آخر، وهو كيف تولف الآلات الشرقية مع الآلات الغربية بشكل بسيط يصل للعالم الغربى، لقد كانت مغامرة وجاءت بنتائج جيدة جدا. يحمل العمل ككل جرأة، حتى فى عزف الآلات، فهل هذه الجرأة متعمدة أم محض مصادفة؟ بضحكة عالية قال: بالتأكيد متعمدة، فالذى قدمته شىء جديد لم يعتد أحد عليه، أنا أحب التحدى والجرأة وطرق أبواب لم يطرقها أحد قبلى، فالفنون جنون. ومثلا فى الماضى وجدت الكثير من الزملاء يقومون بالتلحين فابتعدت عن هذا المجال واتجهت للتوزيع، وعندما وجدت التوزيع أصبح متاحا لكل من لعب على «الكيبورد» اتجهت إلى مجال التأليف الموسيقى وطرقت أبوابا مختلفة فيه، ولعل الفارق المهنى بين المؤلفات الأوركسترالية والألحان التقليدية يكمن فى أنه مجال للمحترفين الأكاديميين فقط ولا مجال للهواة فيه، ابتداءً من المؤلفين والعازفين ومهندسى الصوت والتقنيين.. وحتى مخرجى التصوير لابد أن يكونوا موسيقيين أكاديميين، هذا هو أنا! تعاملك مع عازفى الآلات الشرقية فى مصر.. هل مثل لك صعوبة، خاصة أنه لا توجد «صولوهات» كاملة منفردة فى عزفهم؟ فعلا وجدت صعوبة رغم مهارة العازفين المصريين، لهذا طلبت من المسئولين عن المهرجان قبل المشاركة بعض الموسيقيين الذين يقرأون النوتة لأن معظم العازفين معتادون كما ذكرت أنت على الحفظ وليس القراءة، فالعازف معتاد على عزف «صولو» معين فى وقت معين وينتهى الأمر.. كانت الصعوبة فى قراءة النوتة والالتزام بها. ألألبوم حمل الكثير من المشاعر والصور الذهنية والألحان الشعبية التى ترجمت بوضوح هوية البيئة البحرينية.. وفى نفس الوقت يحمل ذكرياتك ومقاطع من قصص حياتك.. هل هذا كان مقصودا؟ هذه ملحوظة ذكية منك!، لكن الحقيقة جاءت بمحض المصادفة وبشكل تلقائى، فمعظم المقطوعات نابعة من القلب، وكأننى أردت أن أقول للناس وللعالم الذين سيستمعون لهذا ال «C.D» شوفوا البحرين من خلال عيونى، فمثلا مقطوعة «my Muharraq « جاءت لأننى عشت معظم حياتى فى البحرين فى « المحرق»، فهذه المدينة تحمل لى ذكريات جميلة جدا خاصة بالطفولة والشباب المبكر، وتعنى لى الأخلاق والشهامة والرجولة والجمال، ومازالت كما كانت فى خاطرى، وهكذا باقى المقطوعات مبنية على حكايات نسجتها فى خيالى عن البحرين وجمال أهلها، وحتى مقطوعة «العودة» التى حملت عنوان العمل، فسرها لى أصدقائى الصحفيون بأنها «نوستالجيا» هى وباقى المقطوعات لما مر بى فى حياتى ومشوارى. لاحظت أن كل مقطوعة من المقطوعات العشر تحمل أكثر من مقام موسيقى.. لماذا تعدد المقامات هذا؟ لأننى لا أحب العمل على مقطوعة واحدة من مقام واحد بل أتجول فى أى مقطوعة ما بين 5 أو 6 مقامات لخدمة الحالة التى أقدمها، وذلك حتى لا يمل المستمع، وفى المرحلة القادمة سأقوم بتجربة إنتاج المرئيات.. بمعنى أنه حينما يعزف الأوركسترا ستكون هناك مشاهد عبر شاشة فى الخلفية وهو أمر ليس سهلا على الإطلاق، والجزء الأكبر من وقت التحضير لأى مقطوعة يكون فى الفكرة والحالة والتصور العام والخيال. ألا تخشى أن تحجر على خيال المتلقى عندما تقدم له صورة معينة أثناء تقديمك لمقطوعة ما؟ هذا سؤال حلو، لهذا استعنت بخبراء متخصصين فى هذا المجال حتى لا تطغى الصورة على الأذن، فكل ما يهمنى أن يستمتع الجمهور بما نقدمه ولا يمل من الاستماع، خاصة أن جمهورنا العربى ليس معتادا على الاستماع للموسيقى بدون غناء. فى حفلك فى مهرجان الموسيقى العربية قدمت تجربة جميلة جدا وهى تأليفك لقطعة موسيقية دمجت فيها ما بين أغنية لسيد درويش وهى « طلعت يا محلا نورها» مع أغنية بحرينية واسعة الشهرة وهى «بان الصبح»، ونفس التجربة قدمتها بشكل آخر فى المجر.. هل ستعمم ذلك فى كل بلد تقدم فيه حفلاتك؟ بإذن الله... فأبسط هدية تقدمها للبلد الذى يحتضن حفلك أن تهديهم تحية بسيطة، هذه التحية عبارة عن لحن مشهور فى بلدهم مع لحن مشهور فى بلدى، يتحدث عن نفس الموضوع، فمثلا فى المجر قدمت أغنية شعبية مجرية واسعة الشهرة باسم «تاڤاسى سيل» وأغانى شعبية بحرينية «هب الغريبى» و«البارحة نوم الملا»، فى توليفة جديدة لم تقدم من قبل، لهذا لم يتوقف الجمهور عن التصفيق وطلب إعادتها مرة أخرى، فاستجاب المايسترو الذى قاد الأوركسترا بدلا منى، حيث غبت عن القيادة نظرا لتعبى الشديد يومها، وهذه محاولة منى للتأكيد على أن المعانى تلتقى بين الشعوب لكن الاختلاف يكون فى الأسلوب الإيقاعى واللحنى. لماذا «سيد درويش» تحديدا وليس الموسيقار «محمد عبد الوهاب أو السنباطى أو القصبجى» مثلا؟ فى أى بلد أذهب إليه لا أبحث عن أسماء بقدر بحثى عن أغنيات تراثية محبوبة ومعروفة عند الجمهور فى محاولة لإيجاد تقارب، وهذا ما حدث فى المجر وحدث فى مصر مع الشيخ «سيد درويش». لماذا كتبت كل أسماء المؤلفات وكل ما يتعلق بال «C.D» باللغة الإنجليزية، رغم أن مضمونه عن روح البحرين العربية وهويتها؟ أحببت من خلال هذا العمل أن أرسل رسالة للعالم الغربى، وأن يروا البحرين من خلال الموسيقى، ولكى نخدم الهدف من هذا المشروع كتبنا كل ما يتعلق بالعمل باللغة الإنجليزية، فأنا أرى أن أسهل طريقة للوصول لشعوب العالم تكون من خلال الفنون وليس من خلال السياسة على الإطلاق، وأذكر بعد انتهائى من هذا العمل كونت لجنة استشارية من بعض الأصدقاء وسألتهم عن خطة العمل بعد الانتهاء من التأليف الموسيقى ل « C.D» فاقترحوا إقامة حفلات فى عدة دول عربية تبدأ بالبحرين، لكنى قررت أن أبدأ جولاتى الاحتفالية من أوروبا، ورغم اعتراضهم على الفكرة إلا أننى نفذتها، وكانت أولى حفلات تدشين ال « C.D» فى «المجر»، وكان التفاعل مع الأعمال الموسيقية التى قدمتها غير عادى وأكثر من رائع. تقديم عملك الموسيقى فى بلد غربى مثل المجر مع أوركسترا ضخم بمصاحبة نخبة من العازفين المجريين، من «أوركسترا پانون الفيلهارمونى» مسألة ليست سهلة، حدثنا عن هذه المحطة المهمة فى مشوارك؟ فعلا المسألة ليست سهلة، وفيها تحدٍ وتخوف لمؤلف عربى، لأن جمهور المجر معروف عنه أنه لا يجامل، وإذا لم يعجبه شيء لا ينفعل ولا يعلو صوته بل ينسحب بهدوء ويترك المكان، لكن الحمد الله كان للنغم العربى والتيمة البحرينية وقع فى نفوس المستمعين وكذلك العازفون، إذ إن هذا النغم غريب نسبيا عما يؤدى فى الأعمال الأوركسترالية، لهذا فاجأنى الجمهور فى نهاية الحفل و لم يتوقف عن التصفيق لمدة خمس دقائق، وكان من بين الحضور سفيرنا فى ألمانيا الذى أبدى انبهاره بما يرى ويسمع. ألم يجعلك هذا النجاح الضخم فى بلد لا يعرف المجاملات تندم على الغياب لأكثر من 15 عاما عن ممارسة العمل الفنى والتأليف الموسيقى؟ بعد تنهيدة طويلة قال: لم أندم.. لأن غيابى الفنى لم يكن برغبتى، ولكنى اضطررت للغياب، حيث ابتعدت عن بلدى لأسباب لا داعى لذكرها الآن، لكنها ليست أسبابا سياسية وإنما اجتماعية، واقتلعت من جذورى وزرعت فى بلد آخر حبيب، لكنى لم أستطع التجذر فى البلد الذى عشت فيه، وعندما رجعت كانت الأرض غير صالحة للنمو، لكن استقبال الجمهور الرائع سواء فى المجر أو الأوبرا المصرية جعلنى أنسى سنوات الغياب وعوضنى عن هذه الفترة. وهل سننتظر 15 عاما أخرى لتقدم لنا عملك الموسيقى الجديد؟ ضاحكا بصوت عالٍ: إطلاقا.. فالنجاح الذى حققته أعمالى شحننى بطاقة إيجابية جعلتنى أبدأ فى عملى الجديد الذى انتهيت من تأليف ثلاثة أجزاء منه، وخلال شهور قليلة سأعلن عن مفاجآت فنية عديدة على مستوى التأليف الموسيقى، كما أحضّر لعمل فنى آخر ضخم سيجمع أكثر من مطرب من مطربى العالم العربى الكبار. بعيدا عن عملك الأخير يهمنى أن أعرف من هم الأساتذة الذين أثروا فيك فى البدايات وكانوا بمثابة الشموع التى أضاءت لك المشوار؟ الحقيقة أننى كنت محظوظا بوجود مجموعة من الأساتذة الذين أثروا فى مشوارى الفنى، أولهم فى مصر الدكتورة «سمحة الخولى»، فهى أستاذتى ومربيتى الفنية بجديتها وشدتها وغزارة علمها، ومنها تعلمت أشياء كثيرة ليس فقط فى الموسيقى ولكن فى الحياة والإدارة، وهناك أيضا الدكتورة «مارثا روى درس» الأمريكية، والدكتورة «مارجيت توث» المجرية، فمنهما تعلمت وعشقت التأليف الموسيقى، كما لا أنسى دور الأخوين رحبانى وفيروز فى تكوينى، خاصة عاصى الرحبانى.