لم تعد السياسة فى عالم اليوم أسيرة للمقولة الخالدة «السياسة فن الممكن» وإنما السياسة أصبحت فى ظل المتغيرات السريعة والطارئة هى «فن الخيال» المبنى على أرقام وحسابات دقيقة يتم استخلاصها من قلب الواقع المعاش. وأتذكر أننى قرأت منذ سنوات تعبيرا للفيلسوف العالمى برتراند راسل يقول فيه.. إن من يتصدى للحديث عن المستقبل يجب أن يتجنب الطرح بأسلوب «اليقين» وأن يلتزم بحدود الاعتقاد فقط.. والمعنى واضح فعندما نتحدث عن المستقبل فإن من الصواب أن نقول بأننا نعتقد بكذا وكذا ولا نجزم بإمكانية حدوث أى شيء! وفى ظنى أن الذين تحمسوا للذهاب مبكرا إلى قضية تعديل الدستور – وأنا منهم - انطلقوا من الفهم الصحيح بأن السياسة مزيج من فن الممكن وفن الخيال الذى يمكننا من بناء القدرة على تفادى مخاطر المستقبل إذا بدأنا مبكرا فى الاستعداد لها! ونحن نحسن صنعا إذا استثمرنا فكرة الذهاب إلى تعديل الدستور فى بناء حوار وطنى رشيد بشأن المستقبل وكيفية تحديد السبل والوسائل التى تيسر لنا تفادى المخاطر المحتملة بمنهج علمى أقرب إلى «كونسولتو طبي» لأننا فى هذه المرحلة الدقيقة بحاجة إلى أطباء يعرفون كيف يصفون الدواء السليم فى روشتة «الممكن» بأكثر من حاجتنا إلى أطباء مهرة فى تشخيص المرض! وهنا أقول بكل صراحة وبكل وضوح إننا يجب أن ندقق فى اختيار من يكتبون روشتة الدستور المراد تعديله لأن الأمر لا يحتاج إلى خبراء قانونيين ودستوريين يملكون الجهد ويمتلكون حسن النية فقط. وإنما الأمر يحتاج إلى من يملكون عمق الرؤية وسعة الأفق وبما يمكنهم من صياغة روشتة دستورية رصينة تضمن لهذا الوطن قدرة اقتحام جريئة وكاسحة للمستقبل! وكل ما عدا ذلك يظل مجرد تفاصيل لا تمس جوهر الذهاب المبكر لتعديل الدستور! خير الكلام: أبسط الشرور هو الشر الظاهر للعيان! [email protected] [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله