أصبحت مواقع التواصل الاجتماعى أو ما يمكن وصفه ب «الأخ الأكبر» جزءا أساسيا من واقعنا، فهى تلازم ملايين البشر بشكل يومى ، تمتلك بياناتهم وتعرف أصدقاءهم وأرقام بطاقاتهم الائتمانية وتتجسس على محادثاتهم وترصد تنقلاتهم وبل وتؤثر على معتقداتهم وتوجهاتهم السياسية. واليوم لا يمكن النهوض بأى مجال للتنمية إلا بالأخذ فى الاعتبار كيفية مواجهة الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعى التى أصبحت أداة لاقتحام العقل البشرى ونشر الأخبار الكاذبة والمحتوى المتطرف وانتهاك الخصوصية وتحويل البشر إلى سلعة تباع لكبرى شركات الأعلانات. ولترويض وحش السوشيال ميديا لجأت العديد من الحكومات خاصة فى أوروبا إلى فرض قوانين لحماية خصوصية المستخدمين من أبرزها قانون حماية البيانات الشخصية الذى دخل حيز التنفيذ فى دول الاتحاد الأوروبى فى مايو 2018 ، والذى يتضمن عدة قواعد وإجراءات يتعين على كبرى شركات التكنولوجيا الالتزام بها وإلا واجهت غرامات تصل إلى20 مليون يورو أو 4 % من أرباحها السنوية. ولأن تأثير مواقع التواصل لم يقتصر على البالغين فقط بل امتد بشكل مرعب للأطفال والمراهقين ، بدأ التفكير جديا فى كيفية حماية أجيال المستقبل من المحتويات التى تحرض على العنف والكراهية فضلا عن التأثيرات النفسية السلبية التى تنعكس على بعض الشباب من مستخدمى السوشيال ميديا والتى تدفعهم فى بعض من الأحيان إلى الانتحار. ومن أوليات الدول التى تعانى بشدة من العنف الناجم عن محتوى السوشيال ميديا هى بريطانيا التى تشهد أسوأ موجة حوادث عنف من طعن وهجوم بمواد حارقة وغيرها.وبلغت خطورة الأزمة إلى الدرجة التى دفعت الحكومة البريطانية إلى تحدى دعوات حقوق الإنسان والتهديد بمنع الأطفال والمراهقين من استخدام مواقع التواصل الاجتماعى نهائيا. فقد أوردت وسائل الإعلام البريطانية أن الحكومة تعتزم منع الأطفال فى سن ال12 عاما من استخدام مواقع مثل «فيسبوك» وغيرها إذا تم رصدهم يحملون سكينا، وذلك فى محاولة لوقف حرب العصابات المشتعلة عبر مواقع التواصل من خلال نشر الفيديوهات والرسائل التى تحرض على الجريمة. وجاءت تلك الخطوة بعد أن كشفت تقارير حكومية عن أن 110 جرائم اعتداء بسكين ترتكب «يوميا» فى انجلترا ووليز فضلا عن ارتفاع تلك النوعية من الجرائم بنسبة 8% بواقع 39919 حادثة حتى سبتمبر من العام الماضي. كما هددت السلطات البريطانية بإغلاق وحظر شركات التواصل الاجتماعي، خوفا على الصحة النفسية للمواطنين، إذا فشلت تلك الشركات فى إزالة المحتوى الذى يحرض على إيذاء النفس والانتحار الذى يُنشر على مواقعها.جاء ذلك تعليقا على حادثة هزت أرجاء بريطانيا عام 2017 عندما انتحرت فتاة تبلغ من العمر 14 عاما بعد مشاهدتها محتوى عن الانتحار انتشر على «إنستجرام». وكشفت جمعية بابيروس الخيرية البريطانية، التى تعمل على منع انتحار الشباب، عن أن حوالى 30 عائلة تواصلت معها خلال الأسابيع الماضية، لتؤكد أن مواقع التواصل الاجتماعى لعبت دورا فى انتحار أطفالها. ولا تحظى شبكات التواصل الاجتماعى بنفس تلك الضغوط فى الولاياتالمتحدة ، الأمر الذى دفع العديد من رؤساء شركات التكنولوجيا ، من بينهم تيم كوك رئيس أشهر شركة للهواتف الذكية الامريكية ، إلى دعوة الكونجرس لإقرار قانون فيدرالى شامل لحماية الخصوصية. المؤكد أن مواقع التواصل الاجتماعى أصبحت واقعا لامفر منه ، فإذا كان من الصعب التخلص منها فإن التصدى لمخاطرها أصبح ضرورة حتمية فهل نجد يوما وزارة لمكافحة أضرار السوشيال ميديا؟ .