فى حربنا ضد الإرهاب، عادة ما نقول جميعا ان هذه الحرب قد تقضى على الأفراد والسلاح،ولكن تستمر الفكرة والمنهاج العقلى يسكن فى أدمغة البعض مما يؤدى الى عودة الإرهاب مرة اخرى وفى ظروف اخرى وفى زمان آخر. وعادة ما يتساءل البعض أين الدولة وأين الاحزاب واين المجتمع المدنى وحتى اين المثقفون من مناطحة هذه الفكرة الارهابية بفكرة اخرى تناهضها وتهزمها. يلوم بعضنا الآخر وكأن هذا الآخر هو المسئول وحده عن المواجهة والتغيير وخوض المعارك الفكرية، بالرغم من انها مسئولية جماعية ومجتمعية ومستمرة. نتحمل جميعا مسئوليتها. تتحدد مهمة الدولة فى أنها تتيح المناخ الثقافى الحر العام وتحمى الحوار والمتحاورين. كما أن فى حوارنا حول مناهضة الفكرة بالفكرة عادة ما نكرر أن على منظمات التنشئة الاجتماعية بدءا من المؤسسات التعليمية الى الثقافية والاعلامية بجانب المؤسسات الجماهيرية الاخرى كالأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى وقصور الثقافة ان تقوم بالدور الاساسى فى تبنى الفكرة الوطنية ونشرها وفتح الحوارات حولها. ولكن فى حواراتنا حول من يتحمل المسئولية الكبرى ويملك المبادرة، دائما ما نشير الى المدرسة فى مراحلها الثلاث الأولى الابتدائى والإعدادى والثانوي، أى فى المرحلة الأولى للتكوين الذهني. وفى تدريسنا للتاريخ عادة ما نعود الى الماضى القديم لنشيد بعبقرية المصرى القديم فى بناء الأهرامات ونحت التماثيل والمسلات والتحنيط دون ان نتعمق ولو قليلا فى ناصية العلم المتاح لهذا المصرى القديم الذى انجز كل هذا الانجاز بالعلم. ننسى او نتناسى ان وراء هذا الانجاز يوجد فكر علمى يواكب زمانه، وانه لولا هذا التفكير العلمى ما استطاع هذا المصرى القديم تخليد أعماله التى استمرت الى الآن مقصدا يأتى اليه البشر ليروه ويتأملوه بمقابل مادى تحتاج اليه البلاد. ويمكن القول ان هذا المصرى القديم له افضاله علينا، وسيستمر يقف الى جانبنا ليس بالحجر والموميات، وإنما بما وصل إليه وتمسك به من علم ومعرفة كانا الاساس فى بقاء هذا التراث الانسانى العظيم. فبناء الاهرامات لم يكن مجرد جلب الاحجار وشدها، الواحدة بعد الأخرى، ورصها فوق بعضها. وإنما خضعت عملية البناء لدراسات علمية وتنظيم مجتمعى استمر عشرين عاما بلا انقطاع طوال فترة الفيضان. وضع المصرى القديم تنظيما طبيا ومعيشيا وسكنيا يساعد القائمين للعمل على التفرغ وإتقان العمل واستمرار الحياة. لم يكن عملا عشوائيا أو نوعا من الشعوذة يؤدى ليرضى الحاكم، وإنما استند فى الاساس الى فلسفة مصرية وعقيدة خرجت منها عقائد ثانية. خلال الفترة الماضية اطلعت على كتابين شعرت أننا فى احتياج شديد لهما. ولا يكون احتياجنا لهما لنقرأهما ثم نضعهما على أرفف مكتباتنا الخاصة وإنما لنقرأهما جميعا وخاصة، التلاميذ فى المراحل التعليمية الثلاث المذكورة. الكتاب الاول للأستاذة الدكتورة فرخندة حسن استاذة الجيولوجيا والأمين الأسبق للمجلس القومى للمرأة هكذا أفضل تعريفها وتقديمها وهو بعنوان نبذة عن تاريخ العلم الذى نبتت بذوره الأولى فى مصر. اما الكتاب الثانى فهو للأستاذ الشاب الجامعى رامى عطا صديق والحائز على جائزة الدولة التشجيعية فى سياسات مناهضة التمييز لعام 2017 من المجلس الأعلى للثقافة. ويحمل الكتاب عنوان مسلم ولا مسيحي. احسست اننا فى اشد الحاجة لطرح الكتابين على أكبر عدد من تلاميذنا وشبابنا لنتعلم جميعا ان مصر القديمة التى نفخر ونعتز بها بنيت على العلم وليس على الشعوذة والعشوائية. ولولا هذه العلوم التى اجتهد ليعرفها ويتبعها فى أعماله هذا المصرى القديم ما كنا اليوم أو الامس أو الغد. ومن هنا كيف السبيل لنبذ الشعوذة والعشوائية من حياتنا حتى نستطيع ان نتواصل مع ماضينا ونتوقف عند مجرد الفخر بما مضى لنبدأ صفحة بناء جديدة. بمعنى ان نتوقف عن القول كنا لنقول اصبحنا. وفى حديث مع الدكتورة فرخندة حسن اكدت لى ان هدفها من طرح هذا الكتاب هو تبسيط تاريخ العلم فى مصر، وكيف أسهم هذا المصرى القديم فى المساهمة فى تأسيس ليس فقط علوم الفلك، وانما علوم المهن الهندسية والتعدين والتصميمات الانشائية والاخرى الطبية والنسيجية والغذائية وعلوم الاحياء والحساب الرياضية، كما انه برع فى صناعات عديدة مثل صناعة الغذاء والزجاج. والهدف من التبسيط هنا هو الوصول الى المستويات الطلابية فى المراحل الثلاث بحيث يكبرون وهم ممسكون بنواصى التاريخ العلمى الصحيح لبلادهم وكيفية البناء الحقيقى لدولة حديثة. هذه الدولة التى لا يمكن ان تبنى وتعلو الا على العلم وليس على الشعوذة والعشوائية. اما صديقنا العزيز رامى عطا صديق فهو يلخص ببساطة شديدة وبلا تعقيدات كل النصوص الدستورية والقانونية والمقالات والدعوات فى المحاضرات التى تجريها الصفوة السياسية المصرية عن المواطنة كتعبير يشكل اسس بناء وازدهار الدولة الحديثة الى تتعامل مع الجميع على اساس المساواة امام القانون ولدى القانون. فالكتاب لا يدخل فى التنظير، وإنما يركز على اهم عناصر تكون المواطنة وازدهارها. وهى المشاركة والتعامل الجماعى بلا تفرقة. فى الكتب السياسية تعرف الدولة على انها مساحة ارض لها حدود وبها بشر وبها سلطة تمارس القانون وتنظم حياة وعلاقات هؤلاء البشر. هكذا تكون البداية. ولكن مع التطور والتفاعل والمشاركة وإزالة العوائق القانونية بين هؤلاء البشر تبدأ مفاهيم وقيم المواطنة فى النشأة والتبلور. وكلما تطورت هذه القيم وترسخت فى ضمير البشر المكون لهذا الشعب كلما اقتربنا من سيادة قيم المواطنة وكلما تقدمنا فى صياغة ما نسعى اليها وهى استكمال بناء الدولة الحديثة المصرية. وهو طريق ليس سهلا ولا هينا. فى مدارسنا تعلمنا فى مناهج التاريخ كيف ان الخديوى سعيد باشا وقع على عقد حفر القناة وفى نفس الوقت اصدر مرسوما بإلغاء الجزية المفروضة على اقباط مصر والتى كانت تسلبهم حق الالتحاق بالجيش وحماية الوطن. توقفنا كثيرا عند عقد قناة السويس ولكننا مررنا مرور الكرام على مرسوم إلغاء الجزية بالرغم من ان هذا المرسوم كان الاساس القانونى لبدايات بلورة قيم المواطنة وصولا للدولة الحديثة. لذا آن الأوان لنعيد قراءة تاريخنا ونعلمه لأبنائنا على اساس اننا نبنى الانسان المواطن الذى يملك الحقيقة التاريخية ونواصى العلم لنضمن الوصول الى الدولة التى نريدها. لمزيد من مقالات أمينة شفيق