شهدت مصر خلال الأسبوع الماضى افتتاح أكاديميتين دوليتين لتدريب الأئمة والوعاظ وجميع العاملين فى الحقل الدعوى من مختلف دول العالم. الأكاديميتان كل منهما تعمل على حدة، وإن كانتا تتفقان فى الهدف وكثير من الآليات وبرامج العمل.. الأولى تابعة للأزهر الشريف، والثانية تابعة لوزارة الأوقاف. ويبقى السؤال الأهم: هل تفلح هاتان الأكاديميتان فى تحقيق التجديد المنشود وتطوير الخطاب الديني؟! الدكتور محيى الدين عفيفي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أوضح أن أكاديمية الأزهر يشرف عليها مجمع البحوث، وتضم العديد من البرامج التدريبية وورش العمل، بالتعاون مع العديد من المؤسسات المحلية والدولية. وأشار إلى أن فكرة الأكاديمية موجودة منذ فترة كبيرة، لكن تم تفعيل هذا الأمر فى إطار الفعاليات العالمية التى يقوم بها الأزهر الشريف نحو قضية تجديد الخطاب الديني، وهى ترجمة عملية لدعم جهود الدولة فى مقاومة الإرهاب والتطرف، والاشتباك مع الواقع العملي، من خلال تأهيل خريجى الكليات الشرعية والعربية، وغيرها من الوعاظ والأئمة والمدرسين، وباحثى وأمناء الفتوى لتكوين عقول مستنيرة تستطيع مسايرة الأحداث المعاصرة، والإلمام بفن التعامل مع أدوات الميديا الحديثة، وتوصيل المعلومات بأساليب حديثة، وتحرص الأكاديمية على تنمية روح الإبداع عند الفئة المستهدفة فى تجديد الخطاب الديني، وبناء عقول قادرة على مواجهة التطرف والتعامل مع مستجدات فقه الواقع وتقديم الحلول الشرعية لمشكلات الأفراد والمجتمعات لتحقيق الاستقرار وعدم نشر البلبلة والفتن التى تزعزع الناس، وتخلق الفرقة بينهم. الأكاديمية تعنى بالتدريب العملى لمدرسى المواد الشرعية على مواجهة القضايا النوعية التى تثيرها جماعات الفكر المتطرف والجهاد والولاء والبراء والطائفة الممتنعة، والأمر ليس مقصورا على طلاب الأزهر فقط، ولكنه للأزهر وخارجه لتخريج الداعية الذى يمكنه مواجهة التحديات المختلفة التى يموج بها العالم، فضلا عن صقله بفنون التعامل مع الوسائل الحديثة، وستكون الفئة المستهدفة أغلبها من الشباب، لتكوين عقول قادرة على مسايرة الأحداث المتغيرة. أكاديمية الأوقاف أما عن أكاديمية الأوقاف فقد أوضح الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف أن معظم الدارسين بها من الحاصلين على الدكتوراه أو الماجستير فى العلوم العربية أو الشرعية، أو الحاصلين على ليسانس بامتياز، أو جيد جدا، بمن فيهم الواعظات المقبولات، وأشار إلى أن أكاديمية الأوقاف تسع نحو 500 متدرب أو مشروع عالم على حد تعبيره. وأضاف، أن الأكاديمية تدرس علوما متنوعة منها فلسفة اللغة العربية، وعلم أصول الفقه، وقواعد الفقه الكلية، (الفهم المقاصدي)، بالإضافة إلى محاضرات لخبراء من وزارة الاتصالات، ومعمل صوتيات للغة الإنجليزية، إضافة إلى علم النفس والاجتماع والمنطق والعلوم السياسية، فمن يتصدى للشأن العام لابد أن يكون ملما بفقه الدول والواقع، لأن هناك فرقا بين فقه الأفراد والدول، وأشار إلى التعاون مع أكاديمية ناصر للعلوم العسكرية، وكلية الدفاع العليا لتدريس مفاهيم الأمن القومي، والتحديات المعاصرة. كما يلتحق المتدرب لمدة أسبوعين بالقرية الذكية، ليطلع على تكنولوج.يا العصر فى الحاسبات والتواصل. آلية القبول وأوضح الوزير أن القبول بالأكاديمية يتم عن طريق المؤسسات الرسمية، كالوزارات والمجالس العليا للشئون الإسلامية، ودور الإفتاء المسئولة عن الشأن الديني، أما المنظمات غير الرسمية فيكون الطلب عن طريق السفارة المصرية، واحتراما لنظام الدولة لن يقبل أى طالب إلا إذا كان مرشحا من الدولة التى يتبعها، طبقا للتقاليد الدولية. تجديد الخطاب الديني ويؤكد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية، بجامعة الأزهر، أن هذا المشروع الثقافى الدعوى من مشيخة الأزهر ومن وزارة الأوقاف، يعد من المساعى المشكورة لتنمية مهارات الدعاة والوعاظ، فى أعمالهم ومهامهم الدعوية، كما أن التنافس الشريف مطلوب، بأنه يشحذ الهمم، ويقوى العزائم وينير البصائر لجودة الأداء، لأن إمام المسجد بالأوقاف مع زميله واعظ الأزهر، كلاهما فى خدمة بيوت الله عز وجل، وقد تختلف الأساليب إلا أن المقاصد واحدة، ومنها تحديث الخطاب الدعوى والذى يجب أن يحرر من التقليد والتعصب المذهبي، والجنوح الطائفي، وبفضل الله عز وجل، فمصر الأزهر على اتجاه واحد، (الثقافة الأزهرية الأصيلة) ثم الاستعانة بأهل الخبرة، من أساتذة أصول الدين والشريعة الإسلامية واللغة العربية وآدابها، كل فى منظومة متكاملة، بهدف الواقعية والموضوعية فى الخطاب الدعوي، الذى يعد من الأركان الرئيسة فى الخطاب الإسلامي، لأن الخطاب الدعوى هو المعبر عن روح الثقافة الإسلامية، ولأنه وسيلة البث والنشر لهذا الخطاب فى بيوت الله، ومن ثم فإن هذا التأهيل وما يلحق به من اكتساب فقه النوازل.. كل هذا يؤدى إلى خصيصة من خصائص الدعوة الإسلامية، ألا وهى (الجمع بين الثبات والمرونة). وأهاب كريمة بالقائمين على الأكاديميتين تطبيق شروط الالتحاق والعمل للتدريب على الجميع دون استثناءات، كما طالب بالاستعانة بعلماء التراث وعلماء العلوم المدنية بكليات الطب والعلوم والزراعة، وخبراء الاقتصاد الإسلامى من جامعة الأزهر، للتعاطى مع القضايا والمسائل الشرعية المختلفة. التعاون أساس النجاح على جانب آخر، أكد الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، العميد السابق لكلية أصول الدين بأسيوط، أهمية التعاون والتنسيق بين الأكاديميتين، لأن المنبع واحد، ولا شيء يدعو للتفرق، أو أن تكون كل جهة بمعزل عن الأخري، فالعمل معا أساس النجاح، فلا مانع من أن يكون هناك مجلس إدارة موحد للجهتين، يضع السياسات العامة التى تضمن نجاح هذا العمل فى المستقبل، واقترح أن يكون هناك مجلس أعلى للدعوة إلى الله عز وجل، من الأزهر والأوقاف، يضع السياسات العامة، ضمانا لنجاح رسالتيهما معا فى الدعوة وتجديد الخطاب الديني.