يعد العنصر البشري ثروة مصر الحقيقية، لذلك كان لزاما علينا الحفاظ علي صحة هذه الطاقات البشرية، ومن ضمن المشكلات التي تؤرق المجتمع، مشكلة التلوث السمعي التي يعانى منها سكان المدن المزدحمة، خاصة الصناعية منها، وتؤثر سلبيا علي حاسة السمع، فالضوضاء المستمرة تؤدي الي الفقدان المؤقت للسمع، وتؤكد الدكتورة نجاة عامر، أستاذ الصحة العامة وصحة البيئة بالمركز القومي للبحوث، أن الضوضاء لاتؤثر علي أذن الإنسان فقط، لكنها تؤثر أيضا علي التركيز، وتسبب ارتفاعا في ضغط الدم، كذلك المدخنون ومرضي السكر أكثر عرضة للأذي من غيرهم، وتحدث كذلك اضطرابات في النوم، كما أن الأكبر سنا أكثر عرضة لضعف السمع، لذلك يجب أن ينصب جهدنا علي الوقاية. وتضيف: الوقاية ليست فقط بالتوعية، لذلك نحن نتعامل مع الموضوع من خلال تحديد المشكلة وأسبابها، ثم نتدخل لتقليل أسبابها من خلال تركيب أدوات الوقاية المناسبة، وأشارت الدكتورة نجاة إلي أن القانون المصري يسمح بنسبة ضوضاء في حدود 95ديسيبل في الساعة.. وحدة قياس السمع، و ينبغي أن نهتم بالفحص الدوري ولو مرة سنويا، خاصة للأشخاص الذين يعملون في أماكن بها ضوضاء بصفة مستمرة مثل شرطي المرور، أوعمال المصانع، ويفضل أن يتم عمل قياس للسمع قبل الالتحاق بالوظيفة، حتي نستطيع أن نحدد من خلال الفحص الدوري مدي التأثر بنسبة الضوضاء المستمرة علي الأذن. من جانبها تقول الدكتورة هبة مهدي عبدالله أستاذ طب الصناعات والأمراض المهنية، إن ترددات الكلام «العادي» بين الناس تعتبر مؤشرا لوجود مشاكل بالسمع، لأنه إذا شعر الإنسان بانزعاج من عدم سماع بعض الكلمات، يكون هذا مؤشرا لضعف السمع، كما أننا فوق سن ال45 يحدث ضعف تلقائي في عملية السمع ، بحيث نقلل (5ديسيبل) عن كل سنة حتي (15ديسيبل) عند عملية قياس السمع، وعادة في هذه السن يقل سمع الأصوات العالية أو الرفيعة، وذلك حسب الفروق الفردية لكل شخص وحالته الصحية، فمريض القلب يختلف عن مريض الضغط وهكذا. وتضيف أن سكان المدن يعانون التعرض للضوضاء بشكل كبير، وتشير الي أن بعض حوادث السيارات تنتج عن سماع سائق السيارة للأغاني بصوت عال ويترتب علي ذلك عدم قدرته علي تقدير المسافات بشكل صحيح، كما أن زراعة الشجر علي جانبي الطريق تقلل من حدة الضوضاء، وهناك سلوكيات لها علاقات بالعادات الاجتماعية يجب التخلص منها، مثل إقامة الأفراح أو المآتم في الشوارع، وكذلك عند افتتاح المحال التجارية الجديدة وظاهرة ال«دي جي» وما تسببه من إزعاج، وإطلاق الأعيرة النارية وآلات التنبيه في الأفراح، كلها سلوكيات يجب التنبيه إلي أضرارها من خلال التوعية وتطبيق القانون الملزم. وتؤكد الدكتورة هبة، ضرورة أن تبدأ التوعية منذ الطفولة، من خلال المناهج الدراسية للأطفال، كما يجب أن يلعب الكبار أيضا دور القدوة أمام الصغار. وتضيف الدكتورة هبة: لم نصل بعد لبناء مبان ومساكن عازلة للضوضاء، وذلك نظرا لارتفاع تكلفة مواد البناء، إلا أنه يفضل أن تنتشر هذه الثقافة في بناء مبان معزولة الصوت علي الأقل للمستشفيات والفصول الدراسية وقاعات المحاضرات لطلاب الجامعات، وكذلك تأسيس غرفة معزولة عن الصوت في عيادات قياس السمع حتي نستطيع القياس بدقة. وعن أحدث أساليب قياس السمع قالت الدكتورة مني محمد طه أستاذ مساعد الكيمياء الحيوية والبيولوجية الجزئية البيئية، أنها تقدمت ببحث متميز أخيرا يؤكد أن الضوضاء من أنواع التلوث التي تؤثر علي جينات الإنسان، حيث إن هناك عددا من الجينات المعينة في جسم الإنسان تتأثر بالضوضاء يمكنها أن تقدم لنا تنبؤا عن حالة الإنسان السمعية، وتتم عملية القياس عن طريق أخذ عينة من الدم ثم نقوم بعمل التحليل الجيني حيث يمكن للتحليل أن يكشف مدي الضرر لهذا الجين وهل هو بشكل جزئي؟!، وهنا يجب التدخل قبل أن يحدث تلف كلي للجين مما يسبب صمما كاملا للإنسان، وهنا تكون المشكلة كبيرة، لأن فقد السمع بشكل كامل لا يمكن علاجه، ولكن يمكن التدخل بأجهزة تعويضية مثل زراعة قوقعة الأذن أو تركيب سماعة. وتطالب الدكتورة مني، بأن تدخل اختبارات الجينات كأحد الاختبارات المطلوبة في الفحص الدوري، وهذا الاختبار موجود في معامل التحاليل إلا أنه مازال غالي الثمن حيث يصل التحليل لنحو 1000 جنيه تقريبا نظرا لارتفاع تكلفة المواد الكيميائية، ومازال هذا النوع من التحاليل يحتاج لاعتماده ضمن التحاليل الدورية المطلوبة لتحديد قياس السمع. وتشير رسالة الماجستير للعميد الدكتور مصطفي سامي بقطاع الأمن المركزى بالداخلية إلي أنه لمواجهة هذا النوع من التلوث أصدرت الدولة قانون رقم 45 لسنة1949، ثم تلاه القانون رقم لسنة 1994 بلائحته التنفيذية للحد من التلوث السمعي.. وقد تفوقت مصر في مواجهة التلوث السمعي من خلال استحداث أطر قانونية جديدة وقواعد لحماية البيئة من هذا النوع من التلوث، كما في قانون المرور المصري الجديد 2018 ، الذي يهدف بشكل أساسي للحد من التلوث السمعي، من خلال تجريم استخدام آلات التنبيه في غير أوقاتها، كما تمنع تنظيم المظاهرات والتجمعات بطريقة تحد من إحداث تلوث سمعي أو ضوضاء من خلال قانون التظاهر الحالي رقم 107 لسنة 2013.. كانت رسالة الماجستير قد طرحت مجموعة من التوصيات ومنها نشر الوعي بين المواطنين عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، واختيار أماكن مناسبة للمستشفيات والمدارس بعيدا عن مصادر الضوضاء خاصة علي الطرق السريعة، وأن تكون المطارات خارج الكتلة السكنية، بالإضافة لتفعيل تطبيق التشريعات بشكل حاسم علي استعمال آلات التنبيه بشكل عشوائي، وإلزام المصانع بوضع عوازل للصوت للحد من الضوضاء، وبناء البيوت بمواد صديقة للبيئة تساعد علي الحد من الضوضاء.