ناضل المصريون طويلا لما يقرب من قرنين من الزمان من اجل بناء دولة ديمقراطية، واجهوا خلال هذا النضال تحديات عديدة كان لها اكبر الاثر فى عدم قيام هذه الدولة الديمقراطية حتى الآن. وكانت الدروس المستفادة من هذه التحديات وكيفية مواجهتها الاساس الذى انطلقت منه لجنة اعداد دستور 2014 والتى صاغت هذا الهدف فى المادة الاولى من الدستور التى تنص على (جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل أى تجزئة، ولا تنازل عن شىء منها، نظامها جمهورى ديمقراطى، يقوم على اساس المواطنة وسيادة القانون.) هكذا ينص الدستور على ان اساس الدولة المصرية هو المواطنة وسيادة القانون، وينظم الدستور ذاته معنى سيادة القانون بتحديده فى مختلف مواده العلاقة بين الدولة والمواطن والعلاقة بين السلطات وبعضها وحقوق المواطنين وواجباتهم ،ونتيجة لهذا التنظيم القانونى للدولة ومؤسساتها ومواطنيها يتحقق الأمن بمعناه الواسع. وفيما يتصل بالقانون فإنه رغم صدور مئات القوانين على مدار التاريخ المصرى الحديث وتعديلها على مر السنين وشمولها كل مجالات المجتمع الا انها كانت فى عديد من المجالات مجرد حبر على ورق، وساعد على ذلك التفاوت بين اوضاع المواطنين سواء من حيث الوضع الطبقى المتفاوت بشكل كبير بين الاغنياء والفقراء، وكانت لدى الطبقات الغنية نتيجة لهذا القدرة على عدم الالتزام بالقوانين فى تعاملهم مع الفئات الفقيرة والضعيفة والمهمشة وفرض الامر الواقع عليهم وفى كثير من الاحيان كانت النزاعات فى مصر يتم حسمها فى المجالس العرفية وفى ضوء القدرة التى يمتلكها كل طرف وكثيرا ما اغتصب القادرون حقوق الفقراء والمهمشين وهكذا اصبح غياب القانون يشكل تحديا لبناء الدولة الديمقراطية. كما كان الوضع الامنى من أكبر التحديات التى تواجه بناء دولة ديمقراطية. وقد أسهم فى ذلك الأخذ بسياسات الانفتاح الاقتصادى التى أدت إلى العديد من المشكلات الاقتصادية انعكست على الأوضاع الاجتماعية، حيث يعانى المجتمع المصرى تزايد معدلات البطالة لتشمل عدة ملايين من الشباب المتعلم. هذا فضلاً عن انخفاض الأجور والدخول بشكل عام والارتفاع المتواصل فى أسعار السلع والخدمات، ونتيجة لهذا شهدت مصر أشكالاً متعددة من العنف واضطراب الأمن ابتداءً من الانتفاضات الشعبية العفوية، إلى المظاهرات والإضرابات، إلى الاغتيالات السياسية، وكان هذا العنف مصحوباً بحالات شديدة من الإخفاق السياسى والتوتر الاجتماعى وتزايد حالات العنف الجنائى أيضاً، وكان لهذا كله تأثير سلبى على فرص التحول الديمقراطى فى مصر، حيث توقفت الدولة تماماً عن اتخاذ أى إجراءات للإصلاح السياسى، بل شهدت السنوات الأخيرة من القرن العشرين صدور العديد من التشريعات التى تفرض المزيد من القيود على الحقوق والحريات السياسية واتجاه الدولة إلى فرض مزيد من القيود والرقابة على الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والنقابات المهنية وأجهزة الإعلام، وأعلن كبار المسئولين فى الدولة أنه لا يمكن اتخاذ إجراءات جديدة لتحقيق مزيد من التطور الديمقراطى قبل حل المشكلة الاقتصادية والاجتماعية الحادة، وأنه مادامت مشكلات البطالة والفقر والفئات المهمشة فإنه لا يمكن المغامرة بالتوسع فى ممارسة المواطنين حقوقهم السياسية مثل حرية التظاهر والإضراب والعمل السياسى الجماهيرى.... الخ خوفا من التحرك الجماعى لملايين العاطلين والفقراء والمهمشين بما يهدد استقرار المجتمع فتسود الفوضى وينهار الأمن. ويضرب كبار المسئولين المثل دائماً بالاتحاد السوفيتى عندما تعجل جورباتشوف الإصلاح السياسى قبل حل المشكلة الاقتصادية فانهار الاتحاد السوفيتى. ولذلك فإننا نرى أنه مادامت السياسات الاقتصادية التى أدت إلى هذه المشكلات موجودة وتواصلت الأوضاع الناجمة عن الإخفاق التنموى فإن الأمل ضعيف فى أن يتجاوب الحكم مع ضرورات الإصلاح السياسى ، وخير دليل على ذلك أنه بعد أن اعترف الحكم بضرورة الإصلاح السياسى وبدأ بتعديل المادة 76 من الدستور فى مايو 2005 لانتخاب رئيس الجمهورية من بين أكثر من مرشح وتعديل قانون الأحزاب السياسية وقانون مباشرة الحقوق السياسية فى يونيو سنة 2005 فإن هذه التعديلات اقتصرت على إجراءات جزئية وشكلية لا تمس جوهر النظام التسلطى، مما يشير إلى أن الهاجس الأمنى كان يمثل أحد أهم التحديات التى تواجه عملية بناء دولة ديمقراطية فى مصر. ومع قيام ثورة 25 يناير فتح الباب امام تنفيذ سياسات جديدة تحقق بناء دولة ديمقراطية إلا إنها تعرضت للانتكاس ليواصل المصريون نضالهم من اجل تحقيق هذا الهدف، يساعدهم على ذلك ان الدولة المصرية قد تجاوزت مرحلة التهديد الذى واجهته بعد ثورة 30 يونيو حيث نجحت فى هزيمة الارهاب بشكل كبير سواء فى سيناء او داخل الوادى الامر الذى يفتح الباب امام تعديلات فى القوانين التى تضعف الحركة الجماهيرية والسياسية التى تعتبر احدى ركائز التحول الديمقراطى. لمزيد من مقالات عبد الغفار شكر