فى حوار الرئيس مع الإعلامى أسامة كمال للتليفزيون المصرى كان سؤال حول حقوق الإنسان، وجاء رد الرئيس بتساؤل، هل حقوق الإنسان هى حرية التعبير والتظاهر؟ وهنا طالب الرئيس بتطوير حقوق الإنسان وإعطاء الأولوية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتحدث عن احتياجات المواطنين للعمل والصحة والغذاء والسكن وغيرها من الحقوق التى تسمى فى القانون الدولى لحقوق الإنسان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التى صدر بشأنها العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر فى ديسمبر 1966 ودخل حيز النفاذ فى مارس 1976. واضح من حوار الرئيس أن الأولوية هى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بينما الحقوق السياسية والمدنية لا تحظى بالاهتمام ذاته، بل قد ترى الدولة أن الحقوق المدنية والسياسية، التى منها الحق فى حرية الاعتقاد وحرية الرأى والتعبير وحق التظاهر السلمى، أن تلك الحقوق تعطل العمل وتعوق مؤسسات الدولة عن القيام بمهامها، وفى الحقيقة حكمت هذه الرؤية سنوات طوالاً دولاً عدة فى العالم، كان على رأسها الاتحاد السوفيتى السابق قبل انهياره عام 1989 وكذلك الكتلة الشرقية التى كانت تدور فى فلك الاتحاد السوفيتى، وانهارت فى ذات الفترة التى أعقبت سقوط حائط برلين ثم انهيار الاتحاد السوفيتى، رغم أن هذه الدول كانت تعتبر النموذج فى توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها، وبالفعل استطاعت لسنوات طوال أن تحقق معدلات تنمية كبيرة والإنفاق على التعليم والصحة وخلق الوظائف، وقامت بها مشروعات صناعية وزراعية كبيرة فى الوقت الذى كانت الحريات المدنية والسياسية شبه مصادرة لا معارضة ولا حريات تعبير ولا حرية اعتقاد ولا تعددية سياسية، وعرفت تلك الدول بدول الستار الحديدى، إلا أن هذه النظم انهارت فى لحظات. إغلاق النوافذ والحريات يهيئ المناخ لنمو الفساد ومراكز القوى وخلق شبكة من المنتفعين بتحالف موظفى الدولة مع بعض الشركات، ويكون من مصلحتها إغلاق كل منافذ التعبير التى تنتقد وتسلط الضوء على عمليات الفساد والمحسوبية ونهب المال العام، وبالطبع تخويف المؤسسات الرقابية بالدولة وزيادة نفوذ المؤسسات الأمنية على حساب المؤسسات الديمقراطية فى الدولة، لذلك تضيق صدراً بالمعارضين وتعمل على تلفيق القضايا وإيداعهم السجون. بالطبع هناك أهمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ونتفق مع الرئيس فى أهمية مشروعات الإسكان الاجتماعى وتوفير سكن يليق بكرامة الإنسان للمناطق العشوائية المحرومة من العيش الكريم ومن خدمات الدولة، كذلك مشروعات البنية الأساسية من طرق ومحطات كهرباء ومياه، وكذلك توفير علاج لمرضى الفيروسات الكبدية ودعم الدولة لهذا العلاج ووضع مدى زمنى للانتهاء منه تماماً، والكثير من المشروعات التى تعود بالنفع على الاقتصاد والمواطنين، لكن دون بيئة تحمى المعارضين وتضمن حرية التعبير ونقد السياسات العامة ونقد أداء الحكومة والوزارة فإن أى مكاسب اقتصادية واجتماعية معرضة للخطر، كما أن نفوذ مراكز القوى يتصاعد، وينهب الفساد أى عوائد يمكن تحقيقها، لذلك نحن بحاجة إلى حماية الحقوق المدنية والسياسية ودعم حرية التظاهر السلمى، وهو التعبير الجماعى عن الرأى الذى يشكل جرس إنذار للحكومة والدولة عن المشكلات التى تهم الجماهير، ويستوجب أن تخلق الدولة آلية للحوار والتفاهم مع المواطنين وليس القمع والاعتقال والمحاكمات، وبرلمان قوى يراقب أداء الحكومة دون محاذير لموضوعات بعينها يناقش موازنة الدولة والسياسة المالية والنقدية. نتفق مع الرؤية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفئات المهمشة والفقيرة وأن نهيئ لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة، من سكن اجتماعى، وظائف، وعلاج صحى واقتصادى، لكن نؤكد أن الدولة الحديثة هى دولة سيادة القانون وحقوق الإنسان، التى تحلق بجناحين، هما الحقوق المدنية والسياسية من جانب، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية من جانب آخر، حتى نتجنب الانهيار الذى يصيب الدول حتى لو كانت قد حققت تقدماً فى المجال الاقتصادى والاجتماعى.