عند تسلمه جائزة جولدن جلوب كأفضل ممثل فى فيلم غنائى أو كوميدى، قال الفنان البريطانى «كريستيان بيل» بطل فيلم «النائب»: «أتوجه بالشكر للشيطان الذى استلهمت منه أدائى لشخصية ديك تشينى». أثارت الكلمة ضحكات من حضروا حفل توزيع جوائز جولدن جلوب فى دورتها ال76 يوم الأحد الماضى، بينما أغضبت أسرة «ديك تشيني» 78 عاما الذى شغل منصب نائب الرئيس الأمريكى الأسبق «جورج دبليو بوش»، والذى يُعد أقوى نائب رئيس فى تاريخ الولاياتالمتحدة. تتقلب أحداث الفيلم بين الكوميديا والدراما. ويقول «آدم ماك كاي» كاتب ومخرج الفيلم، إن الجمع بين الجد والهزل ينسجم تماما مع الزمن الذى نعيش فيه اليوم. والفيلم يجسد قوة الفن فى تأويل الشخصيات والأحداث التاريخية والكشف عما قد تجهله الشعوب عن حكوماتها. وفى مقابلة مع موقع «مازر جونز» الأمريكى يحكى «ماك كاي» كيف جاءته فكرة الفيلم. فقد أصابته قبل عامين نوبة انفلونزا ألزمته الفراش أسبوعين، وقرأ فى هذه الأثناء كتابا ظريفا عن «ديك تشيني»، أوحى إليه بإجراء مزيد من البحث ليكتشف أنه أمام نموذج درامى رائع؛ شخصية بيروقراطية متواضعة الإمكانات استطاع صاحبها أن يستحوذ لنفسه على قدر هائل من السلطة وأن يؤثر تأثيرا بالغا فى أمريكا والعالم. يقول «ماك كاى» إنه عاش حقبة بوش/تشينى، لكنه لم يكن يُلم بتفاصيلها التى استفزته كإنسان وكفنان، وانتهى إلى أن قبضة تشينى على السلطة فى إدارة بوش أعمق بكثير مما كان يتصور. ولم يكن مستغربا أن يكون غزو العراق، الذى راح ضحيته 4500 أمريكى وأكثر من 600 ألف مدنى عراقى، نموذجا لقدرة تشينى على توجيه المقادير من وراء الستار. فى أحد المشاهد يعود الفيلم إلى عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، فى دهاليز البيت الأبيض حيث يتم فيها اتخاذ القرارات ذات التأثيرات الرهيبة على حياة البشر. يقف «دونالد رامسفيلد»، الذى شغل لاحقا منصب وزير الدفاع فى عهد بوش، متحدثا مع «تشيني» ومشيرا إلى باب مغلق، يقول له، «أتعرف ماذا كانوا يناقشون خلف هذا الباب؟ كانوا يتحدثون عن قصف كمبوديا». وتمر السنوات وتنتقل الكاميرا لنشاهد النائب يتحدث بصوته الرتيب عن ضرورة قصف العراق، ونرى أسرة عراقية تزحف فى ذعر تحت منضدة منزلهم الذى تم تدميره. يقول مخرج الفيلم إنه أراد من خلال لقطات عابرة أن يضع المشاهد أمام المآسى الإنسانية التى ترتبت على حرب العراق. ولا يقل الجانب الشخصى فى حياة «تشينى» إثارة عن مشواره العملى وطموحه. ف«تشينى» الإنسان العادى الذى كان يعيش فى ولاية وايومنج، يقع فى حب زميلته الشقراء المجتهدة فى دراستها «لين»، ويتزوجها. كان غاية مايحلم به هو أن يسعدها ويجعلها فخورة به. يرى المخرج أن «لين» كانت صورة من زوجها، وأن الاثنين كانا متعطشين للسلطة بدرجة لاحد لها. بعض النقاد لايتفقون مع رؤية مخرج الفيلم بأن هذا التعطش للسلطة كان المحرك وراء تصرفات «تشينى»، باعتبار أنه كان جزءا من تيار المحافظين الجدد. ويؤمن أنصار هذا التوجه الأيديولوجى بترويج القيم الديمقرطية وتحقيق المصالح الأمريكية وفرض السلام من خلال القوة العسكرية. عن المشهد الذى يفضله فى الفيلم، يقول «ماك كاي» إنه اللقطة التى ينظر فيها «تشيني» إلى الكاميرا، ويقول «لقد وقع الاختيار عليَّ، فقمت بما أريدَ منى» فى هذا المشهد يظن «تشينى» أنه يتحدث إلى الأمريكيين، لكنه، على حد تعبير مخرج الفيلم، يتحدث إلى السلطة التى كان عبدا لها.