الكتاب قد يكون خير جليس،لكن ماذا نفعل برفيق صامت؟ نحتاج مسامرة ودفء وخيال يجعل الشخصيات تخرج من بين الصفحات لنتحدث إليها أو تسمعنا هى، لنخوض إذن فى سيرة الكتب قديمها وجديدها،فنونها وأشكالها بحثاً عن الجمال فى تلك المساحة،ها نحن نحاول.. ربما! ............................ 1 أريدك قاتلى العائلة كلها تحب «جيف» وفى أعياد الميلاد والمناسبات السعيدة يكون هو فاكهة الجميع، يطلبون منه أن يصنع لهم «وجه القاتل» الذى يبهج الأطفال فتتحول ملامح جيف ويضحك الصغار، وحدث أن تزوج «جيف» وبينما يتحادثان قبل النوم طلبت منه زوجته أن يصنع لها وجه القاتل!، وقالت بصوت الرجاء والتوسل: أريدك قاتلى، فتحول جيف واتسعت عيناه بحجم الخوف وكشرّ عن أنيابه وتحول إلى قاتل يقبض بكلتا يديه على جسدها وهى تطلب منه أن يضغط على رقبتها، فضغط، فطلبت الضغط بقوة أكبر، فضغط حتى احتقن وجهها، وخاف «جيف» ونزع يده معتذراً، لكنها عانقته وقفزت فى سعادة وكادت تقبل قدميه، وشعر جيف باكتمال رجولته وغمرته السعادة حتى فاجأته زوجته: أريد وجه القاتل لى وحدى! ماذا تقولين؟! لقد كان معنا فى لحظات خاصة ولم يعد مسموحا لغيرى أن يراه، وإن فعلت ذلك لغيرى ستكون خيانة! وقبل أن يفكر «جيف» فى كلامها المفاجيء كانت زوجته تتجه إلى قسم الشرطة للتبليغ ضد زوجها الذى يضربها وكاد يقتلها فى غرفة النوم!، ويجد جيف نفسه حبيسا ولا يزوره أحد سوى زوجته التى كانت فى قمة سعادتها لأن وجه القاتل سيكون لها وحدها بعد خروجه من السجن! هكذا يصل جنون الامتلاك كما يصوره الكاتب الفرنسى «فرانز بارتل» فى قصة «وجه القاتل» التى جاءت ضمن 16 قصة ترجمها «عادل أسعد ميرى «وصدرت فى سلسلة الجوائز عن الهيئة العامة للكتاب بعنوان «حانة العادات»، وبارتل حائز على جائزة جونكور 2006 لكنه فى هذه القصص التى تدور فى معظمها على مقاهى فرنسا يظهر فى ثوب جديد بفضل مترجم مبدع وضع لمساته الفنية على النص فجاءت اللغة رائقة وجميلة وهذا ليس غريبا على المترجم والكاتب الروائى رفيع المستوى عادل أسعد ميرى الطبيب والمثقف المصرى الذى حصل على دبلوم الأدب الفرنسى من السوربون وصاحب «كل أحذيتى ضيقة، فخ البراءة». 2 الشيوعى الذى حمل الدراجة على كتفه! مذا يفعل الآن فى الدراجة التى سلمها له الحزب منذ عشرين عاما؟ إن ضميره لن يستريح إلا إذا أعادها، فقد عاش «توفيق» حياته مخلصا للحزب الشيوعى الذى التحق به منذ الصغر حريصا على تنفيذ المهمات السرية الخطيرة التى لا يقدر عليها سوى أصحاب «الضمير» فقد كان يقف على ناصية شارع شريف مثلا وينتظر فتاة جميلة تاتى إليه بحقيبة وتهمس بكلمة السر «الضمير» فيأخذها منها ويعود ليضعها بكل أمانة على مكتب رئيس الحزب، وقد اقتضت المهمة الصعبة أن يعيش باسم حركى وهو «تو»، واعتاد رؤية الفتاة وتبادل معها المهمة مرات وحفظ ألوان فساتينها حتى عرف أن اسمها «مونيكا»، وتعلق بها وصارحها بأنها أصبحت حياته كلها،وتزوجا وظلا على إخلاصهما للحزب ومبادئه وأسراره حتى وهما فى غرفة نومهما، فهى تحصل على الأموال من الآباء الروحيين للحزب وهو سيقف ينتظرها كالعادة ليحمل الحقيبة فى سرية تامة، وذات مرة جاءت سيارة مسرعة ودهست «مونيكا»!، وعاد توفيق بقلب موجوع ووضع حقيبة الأموال على مكتب رئيس الحزب ثم انعزل وحيدا مع أحزانه يبكى رحيل مونيكا رمز الضمير، ولمدة عشرين عاما لم يقابل سوى أطبائه وبائعى الشارع ومع ذلك ظل على ولائه لحزبه متابعا لأخباره وحريصا على التقليب فى ذكرياته حتى عثر على أوراق تشير إلى أنه تسلم دراجة من الحزب فشعر بوخزة الضمير وفكر ان البعض قد يظنه سارقا سطا على دراجة الحزب!، بحث عنها فى أركان البيت كالمجنون حتى وجدها فماذا يفعل كى يريح ضميره؟ هل يحملها على كتفه؟! وبعد تفكير قرر أن يقودها، ووصل إلى موظف الاستقبال وطلب مقابلة رئيس الحزب فى مشهد كوميدى يثير سخرية الجميع فالحزب تغير اسمه ولا أحد يتذكر توفيق ولا مونيكا من الأساس. هكذا يفعل حسن عبد الموجود فى قصص مجموعته «حروب فاتنة» حيث تجد صوراً متعددة لهؤلاء الذين يصارعون الماضى فى دراما وبؤس وعبث أيضاً، الجميع يخوض حروبا فى منتهى الحماس مع ذواتهم، أنصار الوحدة المصرية السورية مازالوا يستحلبون بقايا التجرية، والأبطال الطيبون مازالوا يتفاخرون بصعود الجبال والهضاب فى حرب اليمن!، وفى البيوت مازالت الأمهات يخضن حروباً فاتنة مع المعزة التى أكلت كتابات جوركى حين تم حبسها،لكن الحياة تسير على أى حال!. حروب فاتنة التى صدرت عن كتب خان هى المجموعة الثالثة لحسن عبد الموجود بعد « السهو والخطأ، ساق وحيدة» بالإضافة إلى روايتين «ناصية باتا، عين القط» التى حصلت على جائزة ساويرس 2005. 3 لماذا نحب الغرباء؟ وتلك سيرة الوحدة والشجن والبحث عن رفيق نتبادل معه أطراف حديث خاص أو عام، رفيق يسمع آهاتنا وليس ضروريا أن يبكى أو يتعاطف، وكثير منّا يعيش تلك الحالة منزويا فى عزلته بعيداً عن الناس الذين جربهم مرات وخذلوه مائة مرة: أحب هؤلاء الغرباء أصدقائى العابرين المؤقتين الذين يعرفون عنّا ما لا يعرفه من يظنون انفسهم الأقرب هؤلاء ممن نتعرى أمامهم دونما وجل من يأخذون من الوقت أقله فيفترسونه بأكمله. هكذا، وفى لغة صافية تخلو من الرتوش والزوائد قدمت «سهام بدوى» نصوص كتابها «بهذه البساطة» الصادر عن دار العين بغلاف للفنانة هبة حلمى،لا تريد من الكتابة سوى بث الحنين والبحث عن دفء المحبة فى تجاويف الحوائط وأركان البيوت والإمساك بلحظات شطحات الروح فى صعودها وهبوطها وتأملاتها المزعجة فى أحيان كثيرة، هى كتابة التأمل والفلسفة بمفردات سهلة وشجية رغم عمق معناها حيث براح البراءة الأولى يمنحنا القدرة على تأمل مصائرنا وما آلت إليه ونكتشف الطفل الصغير بداخلنا حين نضحك بلاسبب ونبكى بلا مقدمات ونتأمل الحوائط وصور الذكريات،وأحياناً نفكر فى تغيير الحياة بأكملها: هل جربت ان توقف الصورة مرة وتقول: هذه ليست حياتى لا أحب هذا الدور لا أحبنى هنا ثم تفتح سياج الكادر وتخرج تخرج ولا تعود بمثل هذه البساطة؟ نعم يا أخى بمثل هذه البساطة .