شجعنى كثير من الأصدقاء على مواصلة الكتابة فى موضع التغذية الصحية، الذى كنت قد بدأت الكتابة فيه الأسبوع الماضى، وهو موضوع جد خطير، ويتطلب أن توليه كثير من وسائل اعلامنا المقروءة والمسموعة والمرئية، ما يليق به من اهتمام.. وما ذكره الرئيس قبل أسابيع فى هذا الملف، يجب ألا يمر مرور الكرام، وهو يتفق إلى حد كبير مع العديد من التقارير الدولية التى صدرت فى السنوات العشر الأخيرة، عن مؤسسات أممية كبرى، أشارت بوضوح الى ظاهرة سوء التغذية الحاد التى يعانى منها قطاع كبير من الأطفال فى مصر، خاصة تلك الفئة التى دون الخامسة، وما يتسبب فيه ذلك بالضرورة من إصابة هؤلاء الأطفال بالعديد من الامراض، وفى مقدمتها التقزم، ناهيك عن العديد من الامراض الأخرى المترتبة على سوء التغذية. وربما تكفى قراءة سريعة للعديد من التقارير الصادرة عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائى، حول «آفة الجوع» فى مصر، للدلالة على عمق الأزمة، وما يفرضه ذلك على العديد من المؤسسات والجهات المعنية فى البلاد، من مسئوليات كبرى، وفى مقدمتها وسائل الاعلام بالطبع.. وتشير تقارير الأممالمتحدة التى صدرت فى السنوات العشر الأخيرة، الى أن ما يقرب من ثلث الأطفال فى مصر، يعانون من سوء التغذية، رغم وجود العديد من المؤشرات الإيجابية للاقتصاد الوطنى، وتقول نتائج مباشرة لمسح ديمجرافى صحى أجرى عام 2008 ان نحو 29 % من الأطفال فى مصر، مصابون بما يعرف بظاهرة التقزم، وهى نسبة مرعبة، قد تصل بالنسبة الى الضعف تقريبا، إذا ما قيست بما يمكن أن ينتهى إليه مسح حديث من نتائج.. والقضية تتعلق فى بادئ الأمر ومنتهاه، بما يأكله المصريون، وهو أمر لا يرتبط بالحالة الاقتصادية، بقدر ما يرتبط حسبما تشير العديد من الدراسات المتخصصة، بأنماط الحياة، والعادات الغذائية الجديدة الوافدة على الثقافة المصرية، لكن ذلك لا يعنى أن نغفل جانبا مهما ولعله الأهم فى تلك القضية، وهو يتعلق على نحو مباشر بما أصاب الزراعة فى بلادنا خلال العقود الثلاثة الأخيرة من تدمير، يرقى الى درجة المؤامرة، وقد تكفى بعض الأرقام التى انتهت اليها دراسات متخصصة، للدلالة على حجم الكارثة، ففى الأسواق المصرية اليوم ما يزيد على مائتى نوع من المبيدات الزراعية، التى تصنف ضمن قائمة المبيدات المحظورة دوليا، يتم استخدامها من قبل قطاع كبير من المزارعين، دون التزام باشتراطات السلامة، أو بالنسب المتفق عليها عالميا.. وقبل سنوات قالت وزارة الزراعة، انها سوف تعمل على إنشاء إدارة مركزية للرقابة على المبيدات، للحد من فوضى التهريب، حيث تدخل إلى مصر كميات مرعبة من تلك المبيدات المحظورة دوليا، على نحو يجعل من تجارتها أكثر ربحا من تجارة المخدرات، فى وقت تعانى فيه هذه السوق من غياب كامل للرقابة، ناهيك عن غياب الارشاد الزراعى لأكثر من عشرين مليون فلاح تقريبا، يعملون فى أكثر من عشرة ملايين فدان هى إجمالى المساحة الزراعية فى مصر.. والأمر ينسحب كذلك على العديد من مزارع تسمين المواشى، وعلى مزارع الدواجن والاسماك، وفى ذلك قصص كثيرة مرعبة تروى، على نحو يصبح معه الحصول على وجبة طعام آمنة، أقرب إلى العنقاء والغول والخل الوفى. لمزيد من مقالات أحمد أبو المعاطى