أهنئكم جميعا بعيد الميلاد المجيد فى بداية عام جديد أتمنى فيه كل الخيرات والبركات لبلادنا وشعبنا وحياتنا جميعاً. عاش الانسان منذ خلقته وسقطته فى ظلمة الخطية حيث كان الظلام الروحى يعم كل الارض التى صارت أرض الشقاء. لقد خلق الله الانسان الأول آدم وحواء فى سعادة غامرة ومنحهما الحرية والحب والوصية، ولكنهما اختارا العصيان وكسر الوصية ورفض الله ومخالفته والاستماع الى غيره، وفضلا هما ومن جاء من نسلهما أن يعيشا بالخطايا والشهوات والانحرافات ودوامات المعاناة واليأس واللامعنى والفراغ وفقدان الرجاء والإحباط والعزلة والانعزال وكل فنون الشر ودسائس إبليس. لقد صارت الانسانية محاصرة بالخطايا والمخاوف والقلاقل والأطماع والجشع وحب الذات وانتشار الاخبار السيئة من إدمان ومخدرات وإباحيات وإلحاد وإنكار الخالق بصور عديدة. وحقاً: الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله, روميه (3: 23). لقد انهارت إنسانية الانسان بسبب فساد الطبيعة البشرية وبدأ يجف الإنسان من الحب الحقيقى الذى هو وقود الحياة الانسانية كما أرادها الله. ومعلوم عند علماء الاجتماع أن للإنسان حاجات أساسية بيولوجية ونفسيه وعقلية وروحية ويقف على قمة هذه الحاجات حاجته الى الحب، ولكن من أين يأتيه هذا الحب؟! وقد جف القلب بسبب الخطية وتأثيراتها. ورويدا رويدا صار الإنسان جائعاً الى الحب.وجاء ميلاد السيد المسيح حاملاً الأخبار السارة لكل إنسان: هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. (يوحنا 3: 16). لقد ظل الله فى عصور ما قبل الميلاد يبحث عن الإنسان بلطف وحنان وبحب وعلى مدى الأجيال أرسل أنبياءه ورسائله ونصائحه وتحذيراته والتى نقرأ عنها كثيرا بين صفحات أسفار العهد القديم، إلى أن جاء ملء الزمان (غلاطية 4:4). وأراد الله ان يتواصل مع الانسان بنفسه وأصبح واحدا معنا عمانوئيل الله معنا. لم يرسل ملاكاً ولا رئيس ملائكة ولا نبياً ولا رجل سياسة ولا سفيرا . لقد جاء بنفسه لأنه يحب الانسان ليس بالكلام، ولكن بالفعل. ولذا ليس عجباً إن يقال ان المحبة ولدت يوم ميلاد المسيح حيث صار الحب الذى يحتاجه الانسان حاضرا بيننا. وعاملا بيننا ليشبع جوع الانسان الشديد لكى يعود الى انسانيته التى تغرب عنها بالخطية والشر. يقول القديس غريغوريوس النيصي: هذا هو سبب وجود الله متجسدا بين الناس كانت طبيعتنا مريضة وفى حاجة الى طبيب. الإنسان سقط واحتاج إلى من يقيمه. الإنسان الذى توقف عن عمل الصلاح احتاج إلى من يعيده اليه. الإنسان الذى أغلق عليه فى الظلام احتاج الى حضور الحياة هكذا أحب الله العالم من خلال ميلاده وتجسده. لقد أظهر حبه الى الجميع.. الى القرية الصغيرة فى بيت لحم اليهودية. الى الرعاة المنسيين وسط زحام البشر.. إلى المجوس الغرباء القادمين من أقصى الشرق.. إلى العذراء اليتيمة والفقيرة.. الى الشيخ الوقور يوسف النجار، إلى العجوز المترملة حنة النبية وهى تعيش على رجاء. إن المسيحية ليست ديانة تبحث عن الله وليست اكتشافاً بشرياً وليست نصائح سارة أو نظريات جميلة.. إنها اعلان الأخبار السارة عن ما فعله الله فى شخص السيد المسيح ليقدم ما يحتاجه الانسان الجائع والضائع فى متاهات الحياة. أى يقدم الحب الغافر الذى يغلب الشعور بالذنب مثلما فعل مع تلميذه بطرس الرسول و مع المرأة الخاطئة ومع اللص البائس.فى كل عام يأتينا عيد الميلاد المجيد ليجدد طاقات الحب الالهى أمام الانسان الجائع ويقول لكل منا: الله ليس بعيدا عنك. الله لا ينساك ابدا. الله لا يكرهك اطلاقا. الله يحبك وقد أتى إليك . الله لا يتركك وسط الاخبار السيئة والمحزنة. الله يغفر لك خطيتك. الله يهبك رجاء وفرحاً وتهليلا. الله الذى يعيد لك بالحب الانسانية فى صورتها التى قصدها الله يوم خلقتك. ليست اختراعات الانسان واكتشافاته وتقدمه العلمى والتكنولوجى هى التى تشبعه. بل على العكس هى تضعف علاقاته بالآخرين وتضعف حبه للآخرين وللحياة بدليل ازدياد العنف والجريمة والإرهاب والتفكك الاسرى والانحرافات على كل مستوي. إن الانسان لا يستطيع أن يتغلب على خطاياه بهذه الأجهزة التى يظن أنها تسهل حياته بل على العكس إنه يزداد قلقاً واضطراباً ومعاناة... إنه يقول لك: سلاما اترك لكم. سلامى اعطيكم ليس كما يعطى العالم اعطيكم انا. (يو 1: 27). فقط حب المسيح فى ميلاده هو الذى يعيد العالم إلى صوابه وتكون النفس الشبعانة من هذا الحب هى القادرة فقط أن تدوس على كل مغريات العالم وخطاياه وانحرافاته. حب الله الفائق فى هذا الميلاد العجيب يحتضن كل إنسان يريد أن يشبع يرتوى وطوبى للجياع والعطاش الى البر (المسيح) فإنهم يشبعون. (متى 6:5 ). عيد الميلاد المجيد رسالة حب صاف تحتاجه أيها القارئ الحبيب ليكون زادك وشبعك طول العام الجديد مع خالص التمنيات القلبية نرفعها الى السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية وكل المسئولين فى بلادنا العزيزة وكذلك إلى قواتنا المسلحة وشرطتنا الوطنية وكل أبناء مصر الاعزاء الذين يسهرون ويحرسون البلاد والعباد من كل شر كما لاننسى الشهداء الذين قدموا دماءهم من اجل الوطن ونصلى من أجل شفاء كل المصابين والمتألمين طالبين السلامة والسلام لبلادنا وكل الاحباء والاصدقاء وكل عام وانتم بخير وسلام.
بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية لمزيد من مقالات البابا تواضروس الثانى