لعلها المرة الثالثة او الرابعة، التى يتعرض فيها الرئيس عبد الفتاح السيسى للإعلام فى مصر، لكنها الأكثر مرارة حسبما بدا من مداخلته التى أجراها قبل أيام مع فضائية ام بى سى مصر، تعليقا على التغطية الإعلامية التى أفردتها صحف ومحطات تليفزيونية، للاحتجاجات الشعبية التى ضربت فرنسا، وامتدت الى بعض بلدان الجوار فى اوروبا مثل بلجيكا، فيما عرف فى التغطيات الصحفية الدولية بالربيع الأصفر فى أوروبا. لم تكن تلك هى المرة الأولي، وأغلب الظن أنها لن تكون الأخيرة، التى يتعرض فيها الرئيس بالنقد، للاداء الإعلامى لكثير من الصحف والمحطات الفضائية فى مصر، تلك التى وصفها فى غير مناسبة، بأنها منفصلة عن الواقع، خصوصا فيما يتعلق بتعاملها مع العديد من القضايا الداخلية والخارجية على حد سواء، وهو انتقاد يدفع بالمرء لأن يعيد على القارئ الكريم، وصناع المهنة أيضا، بعض مقاطع من مقال كنت قد نشرته فى نوفمبر من عام 2014، عبر صفحات الزميلة الاهرام المسائي، واتبعته بسلسلة أخرى من المقالات فى نفس الموضوع، تحملت الاهرام نشرها بكل أريحية، قبل أن يتسلل الشك الى القلب، عن جدوى الكتابة، فانصرفت مثلما انصرف كثيرون غيري، عن هذا الملف الشائك. ولعل أسوأ ما تواجهه مصر اليوم، وهى تخوض حرب وجود بالفعل، ضد تنظيمات العنف المسلح هو إعلامها، بما يعنيه ذلك من صحافة مكتوبة ومرئية، على ما تضمه من صحف وقنوات خاصة ورسمية، ومئات بل آلاف من المواقع الالكترونية التى لا يعرف المرء لكثير منها صاحبا، اللهم إلا نذرا يسيرا، يمكن بقليل من التدقيق فيما تبثه من مواد، وما يدفعه ملاكها العلنيون لفرق تحريرها من رواتب خيالية، معرفة الأهداف التى يرمى إليها الملاك الخفيون. وتتابع ما تحرقه العديد من الفضائيات من ساعات بث على مدى اليوم، وما تسود به نظيراتها من الصحف الخاصة على الجانب الآخر من صفحات، فيصيبك الاكتئاب والإحباط بل وربما فقدان الأمل، فى أن تتجاوز مصر تلك الأيام العجاف، بينما الواقع على حقيقته التى لا تقترب منه الكاميرات، يحمل بشائر خير لا ينكرها إلا جاهل أو متآمر مأفون. ويحار المرء كثيرا، عندما يبحث عن سبب أو مبرر واضح، يمكن أن يقف وراء إقدام العديد من قنواتنا الفضائية، على أن تشغل الناس بالعديد من الفضائح، وكثير منها يثير الغثيان، او تجاهل ما تقدمه تلك المحطات من مواد، أو النظر إليها باعتبارها سقطات مهنية، يمكن علاجها بالقانون، او بمواثيق الشرف الإعلامية، ذلك ان الإصرار على تقديم مثل هذا اللون من الإعلام الفضائحى بتنويعاته المختلفة بات متعمدا، فى مقابل إهمال ما تشهده مصر من تحولات جذرية فى الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، وربما تكفى نظرة عابرة على ما تعانيه المؤسسات الإعلامية القومية، للدلالة على عمق الأزمة التى تواجه مصر، فكثير من المؤسسات الصحفية الكبري، يدفع اليوم ثمن عصور من الفساد، حرقت الأخضر واليابس فيها، وصدرت عديمى الكفاءة والموهبة الى مواقع القيادة، على حساب أصحاب الفكر والمهنية والرأى والمشورة. لقد لعب الإعلام الدور الأكبر فى الإطاحة بنظام الإخوان، لكنه وبغرابة شديدة، يتخاذل اليوم عن دعم الدولة، التى تخوض معركة وجود ومصير على جميع الجبهات، وهو تخاذل ليس له ما يبرره، ويظل فى رأيى أقرب إلى نظرية المؤامرة. لمزيد من مقالات ◀ أحمد أبوالمعاطى