خلق الله "سبحانه" الطبيعة بنظم متكاملة وفقا لأنظمة ذكية ذاتية، تتكيف بطرق لاحصر لها، وهكذا جسم الإنسان في تكيفه داخليا وخارجيا، وأهمها توافقه مع البيئة، إلا أن علاقة الإنسان بالطبيعة، شابها الكثير من الخلل، تمثل بإسرافه في استخدام الموارد واستهلاكه الجهول والمخيف لعناصر الطبيعة، فكان لابد من البحث عن حلول. فإذا كان البحث عن حلول لهذا الإسراف والاستغلال المخل بالطبيعة، يعد مكلفا للغاية، مقابل تواضع العائد وراء هذه الحلول والمعالجات، فضلا عن المدى الزمنى الطويل للحصول على نتائج، كما يحدث في المساعي لخفض معدل درجة حرارة الكرة الأرضية، وتقليل الانبعاثات الكربونية، وتحقيق التنوع البيولوجي، وبناء القدرات الوطنية للإصلاح البيئي. إلا أن الحلول المعنية بإعادة تدوير المخلفات، عكس باقي الحلول والمعالجات ذات العلاقة مع الطبيعة والبيئة في كل مستوياتها، فهي سريعة الوصول إلى نتائج، إضافة إلى تحقيق استثمارات وأرباح مادية عالية من ورائها، إضافة الى العوائد الصحية والبيئية، يضاف إلى كل ذلك، الوصول إلى نوع من المصالحة مع الطبيعة، بعد أن تعايش المواطن المصري مع القمامة، وكأنها قدر. المثير للسخرية أن مصانع إعادة التدوير في مصر تستورد المخلفات، فقد استوردت مخلفات بقيمة 384 مليون دولار فى 6 أشهر الأولى من العام الماضى، ورغم غزارة الدراسات والاقتراحات والفعاليات حول تدوير النفايات، وأهمية استثمارها بيئيا وصحيا واقتصاديا، باتت هذه الدراسات لدينا، وفي العالم العربي كذلك، جزء من مشكلة النفايات، حيث تضيف عبئا جديدا ومعوقا لكثرتها، وأيضا لإهمالها وعدم تطبيقها.. ويبدو أننا في حاجة لإعادة تدوير دراسات وبحوث "التدوير". لا نضيف جديدا إذا قلنا إن نتائج حلول كارثة النفايات، على اختلاف أنواعها مثل إعادة تدوير الزجاج والمعادن لصناعات أخرى جديدة، وإعادة تدوير الورق والكرتون، إعادة تدوير المواد النسيجية والملابس، إعادة تدوير إطارات السيارات، وإعادة تدوير مواد الألمنيوم إلى ورق ألمنيوم للتغليف، وإعادة تدوير الفولاذ إلى بعض مركبات السيارات، والمواد البلاستيكية، وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي إلى مياه صالحة بفضل محطات تطهير وتنقية المياه، هي أنشطة وصناعات لا يندم المستثمر على تعظيم أرباحه في معالجتها. ما الذي ينقصنا لكي نتعامل بجدية مع مجال إعادة التدوير للنفايات.. فهذا القطاع سيحل معه معضلات مزمنة، منها حلول لمشكلات البطالة، والتخفيف من حدة التلوث، تحقيق عوائد اقتصادية تسهم في رفع مستوى المعيشة. الحلول متاحة، في الداخل والخارج، في الداخل ما أكثر الكيانات البحثية المعنية بالبيئة، والجاهزة بحلولها وبرامجها للتنفيذ، ومثلها في الجامعات، وفي الخارج الكثير، وأهمها ما أعلنه سفيرنا في فيينا السفير عمر عامر من أن أكبر 14 شركة نمساوية ترغب في الاستثمار بمصر، وأن النمسا هي الأولى أوروبيا في مجال إعادة تدوير المخلفات الصلبة. خطورة فاتورة استيرادنا للمخلفات، نبهت إليها الدكتورة شيرين فراج عضو مجلس النواب، فقد كشفت أن مصر استوردت نفايات فى عام 2017 بما يعادل مبلغ 15 مليار جنيه مصرى ومن 1/1/2018 وحتى 30/6/2018 بما يعادل مبلغ 7,550 مليار جنيه مصرى. ومهما كانت الأسباب والمبررات لذلك، وهي دائما جاهزة، فقد كشفت النائبة، ان ذلك يحدث في الوقت الذي ننتج فيه أكثر من 75 مليون طن نفايات. هل نغير من سلوكنا؟، لقد كانت شوارعنا أكثر نظافة من الشوارع الأوروبية، واليوم يستعد الأوربيون للتخلص من الأكياس البلاستيك، واستبدالها بمواد تغليف قابلة لإعادة التدوير عام 2030، بعد أن حذرهم فرانس تميرمان، نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية، بأن الإسراف في استخدام البلاستيك سيجعل البلاستيك يحل محل الأسماك في البحار، بعد أن بلغ حجم نفايات الاتحاد الأوربي من البلاستيك 25 مليون طن من النفايات البلاستيكية في السنة. هذا في الوقت الذي أغلقت فيه الصين، البلد الرائد في إعادة التدوير، أبوابها أمام النفايات الأجنبية. هل حان الوقت للتنفيذ والتدوير. لمزيد من مقالات ثابت أمين عواد