للإدارة أنواع عدة.. فمنها إدارة بالأهداف وأخرى بالإنتاج وثالثة بالاندهاش ورابعة بالإحراج إذا كان من يحاول تجربة الفهلوة مع أعلى سلطة إدارية فى الوطن وبخاصة إذا ماكان من يشغل هذا المنصب الرفيع يتمتع بخلفية مخابراتية تتيح له كشف كل من يسعى إلى إقناعه بغير الحقيقة. ما شاهده الملايين على شاشات التليفزيون صباح يوم السبت الماضى بين الرئيس السيسى ومحافظ القاهرة اللواء خالد عبدالعال, خلال افتتاح مجموعة من المشروعات القومية, يندرج تحت النوعين الأخيرين الفهلوة.. والإحراج!. ولا أدرى إلى متى سنظل نعتمد الفهلوة منهجا لممارساتنا وأسلوبنا لمواجهة مشاكلنا, والأدق الالتفاف حولها دون حلها, ودون أن نعى أن هذه الفهلوة هى الباب الملكى إلى الكوارث بينما يؤدى القليل منها إلى بلاوى كتيرة ! وإذا كان البعض يرى أن ما حدث من جانب الرئيس مع المحافظ أمر ما كان له أن يحدث وبخاصة أنه كان على الهواء مباشرة وأمام ملايين المشاهدين, ولم يكن فى قاعة أو غرفة مغلقة, مما أدى إلى وقوع الأخير تحت ضغوط شديدة أدت به إلى الوقوف مشدوها للغاية, فإن هذا البعض يتغاضى تماما عن أن من أبسط حقوق الرئيس وسلطاته الاطمئنان على صحة ما يجرى تنفيذه بصفته الرئيس الأعلى للسلطة التنفيذية والمسئول الأول عن رعاية مصالح الشعب، والمشرف على وضع وتنفيذ السياسة العامة للدولة بالاشتراك مع مجلس الوزراء. وجاء إصرار الرئيس على توجيه 4 أسئلة لم يستطع المحافظ الإجابة عن واحد منها بمثابة رسالة مهمة مستقبلية بقصد التنشيط والتوجيه الضمنى العلنى لجميع المسئولين بالمواقع المختلفة، لاهتمام القيادة السياسية ببعض التفصيلات المرتبطة بمهام الوظيفة فى إطار الحفاظ على القواعد وأولويات المصلحة العامة, علشان محدش يقولى كلام ويقنعنى إنه الحقيقة ..اللى بيتكلموه معايا مش حقيقة. وكان الرئيس قد سبق له تحذير المسئولين من مثل هذه المواقف، إذ كان قد قال خلال كلمته بالجلسة الشهرية الأولى للشباب فى ديسمبر قبل عامين - موجهًا كلمته للمسئولين الذين لا يستطيعون تولى مهامهم وإدراك حجم المسئولية الملقاة على عاتقهم: سيبوها وامشوا لو مش قادرين. فيما يتعلق بالموقف الذى تعرض له محافظ القاهرة يوم السبت الماضى فقد كان الثانى من نوعه مع الرئيس السيسي، إذ كان الأول فى شهر سبتمبر الماضي، حينما سأله وقتها، عن سبب أعطال أعمدة الإنارة على الطريق المؤدى إلى مطار القاهرة، خلال افتتاح الطريق الدائرى الأوسطي، من بلبيس حتى تقاطعه مع طريق القاهرة - السويس.. إذ قال الرئيس: سيادة المحافظ خالد، أنا كنت قلت لك إن طريق المطار اللى هو مدخل مصر جزء كبير من أعمدة الإنارة فيه مش شغالة، أنا بفكرك بس إنك تشغلهم. ورد المحافظ تلقائيا : بالفعل يا فندم بتوجيهات سعادتك اتنفذت أعمال الصيانة للأعمدة، ليقاطعه السيسى قائلًا: توجيهات إيه، أنا شفت وأنا راجع أن الطريق مظلم..! ولأن للشخصية المصرية سمات محددة تميزها كلياً عن أى شخصية أخرى.. وللعبقرية المصرية أيضاً مميزات تختلف عن غيرها تماماً.. فالثقافة المصرية متنوعة وقادرة على أن تحدد مواصفات لكل شىء ولأى أحد.. وفى هذا الموقف فإن المحافظ اختار اسلوب يطلق عليه عامة المواطنين الفهلوة المصرية من خلال الحرص على ذكر تعبير بتوجيهات سيادتكم باعتبار أن هذا التعبير هو المفتاح السحرى لإقناع الرئيس بما هو ليس الحقيقة..!. الإدراك الحقيقى لمتطلبات المسئولية يفرض على أى شخص مسئول أن يلتزم بالتفكير قبل أن ينطق بأى كلمة وأن يتوخى الحذر وإلا وقع فى الخطأ، وليس المقصود هنا بتوخى الحذر أن يقدم المسئول على النفاق أو يقول ما يتناقض مع الحقيقة، أو يخفيها بل إن المقصود فى هذه الحالة أن يختار الكلمات التى تعبر عن رأيه وعن الحقيقة, وبخاصة فى موقع وزارى, وهو يتحدث إلى رئيس الجمهورية وهو ما يجنبه إلحاق تعبير سابقاً باسمه مثلما جرى مع العديد من مسئولين سابقين إذ كان الجلوس فى البيت مصيرهم فى النهاية..! موقف محافظ القاهرة الذى أراد ألا يلتزم بذكر الحقيقة فى قضية أعمدة الإنارة فى طريق المطار قد يدفع البعض, كلما ظهرت صورته بالتليفزيون فى احدى نشراته الإخبارية, أن يتابع المشاهدون أنف السيد المحافظ لعلهم يرصدون أى تطور يلحق به يزيده طولاً عما كان عليه كلما مر الزمن ليجروا مقارنة لطول ذلك الأنف فى مختلف الأيام!. فوفقا للشخصية الاُسطورية بينوكيو - المُستمدة من رواية كتبها الروائى الإيطالى كارلو كولدى فإن أنفه كان يزداد طولا فى كل مرة يكذب فيها وأعتقد أن العلاقة بين طول أنف المحافظ مع كل ظهور له قد اتضحت تماما دون أى تفسير باعتبار أن اللبيب بالإشارة يفهم!. لمزيد من مقالات عبد العظيم درويش