شهد القرن العشرون تحويل الإسلام الى أيديولوجيات حزبية؛ ذات طبيعة سياسية، وأهداف سلطوية؛ ذلك الدين الخاتم الذى وسع العالمين، وتعددت مدارسه وأفكاره، يتم اختطافه من قبل جماعة؛ أو حزب متمحور حول شخص؛ ثم يتم اختزاله فى صورة برنامج سياسى ضيق؛ يمكن المختطفين من امتلاك السلطة والقوة، وفى نفس الوقت يجمدهم، ويجمد أيديولوجيتهم الدينية عند نقطة تاريخية معينة، ثم يتحولون بعدها الى البرجماتية التى تمكنهم من التعاطى مع المستجدات؛ دون التخلى عن الثوابت الإيديولوجية التى وضعها مؤسس الحزب، أو الجماعة، أو الدولة. ثلاث أيديولوجيات هيمنت على المشهد فى العالم الإسلامى فى القرن الأخير، كانت البداية مع ظهور تنظيم الإخوان 1928، ثم ثورة الخميني1979 ، التى تزامن معها ظهور وليد جديد فى جزيرة العرب، نتج عن تزاوج الفكر الإخوانى مع العقيدة السلفية؛ فكان المولود حركة الصحوة، التى مثلت أيديولوجية ثالثة، نتج عن هذه الأيديولوجيات الثلاث عشرات، بل مئات الأفكار والأيديولوجيات الفرعية، التى تحول بعضها الى العنف الوحشى مثل داعش، واستبطنت جميعها مفاهيم التغيير السياسى والاجتماعى غير السلمى، ومن خلال القوة والفرض من أعلى.وكان قدر المملكة العربية السعودية أن تكون هى مركز الدائرة لهذه الأيديولوجيات الثلاث. فبعد أن وصل تنظيم الإخوان الى مشارف النهاية تحت حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر رحمة الله عليه، كانت المملكة العربية السعودية الملجأ الذى هاجروا اليه، واحتموا به، وثورة الخمينى وضعت نصب أعينها منافسة المملكة، وانتزاع المرجعية الروحية للمسلمين منها، واتخذت من المملكة خصماً لحشد الشيعة فى العالم خلف قيادة الولى الفقيه فى إيران. وحركة الصحوة التى استغلت نجاح ثورة الخمينى واستفادت من الأيديولوجيا الإخوانية نجحت فى ابتزاز المجتمع والدولة فى المملكة لما يقارب الأربعة عقود من الزمان. ومع تخلى المملكة عن تنظيم الإخوان بعد فشلهم فى حكم مصر، وظهور عدم كفاءتهم، وتعريضهم للأمن القومى العربى للخطر من خلال تحالفهم مع الأعداء الإقليميين إيران وتركيا، ومع مواجهة إيران فى اليمن والبحرين ولبنان سوريا وقطر، ومع اكتشاف خطورة حركة الصحوة بدأت هذه الأيديولوجيات الثلاث تفقد سطوتها، ومصادر قوتها، ولكن ظل وجودها الفكرى والدينى لم يتم المساس به بصورة حاسمة؛ حتى الأمس القريب حين اجتمع فى مكةالمكرمة أكثر من 1200 من المفكرين، والمفتين، ووزراء الأوقاف، والدعاة من 127دولة، من جميع قارات الأرض، فى مؤتمر عقدته رابطة العالم الإسلامى تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين، وبحضور القيادات الدينية فى المملكة العربية السعودية. ناقش هذا المؤتمر العالمى للوحدة الإسلامية مخاطر التصنيف والإقصاء من أجل تعزيز مفاهيم الدولة الوطنية، وفى نهاية المناقشات جاء البيان ليعلن إجماع الأمة؛ من خلال علمائها ومفكريها ومسئوليها عن نهاية أيديولوجيات اختطاف الإسلام من خلال. أولا: نزع الشرعية عن الأحزاب والأيديولوجيات ذات الصبغة الدينية، ودعوة المسلمين الى التمسك بشعار الإسلام، وليس بأية شعارات أخرى مذهبية أو حزبية أو طائفية، مما يجعل من كل المسميات التى سوقت لها هذه الإيديولوجيات دون شرعية أو حجة دينية. ثانياً: رفض كل الحجج والمبررات التى توظفها تلك الأيديولوجيات لتحقيق تميز وتعالى أعضائها على باقى المسلمين، وتأكيد عدم شرعية تكفير المسلم، وعدم حجية نفى الإيمان عن المخالف، ومن ثم نزع الشرعية عن وجود تلك الجماعات، ونفى كل أسس ومبررات دعاواها وحججها. ثالثاً: تأكيد احترام النطاق الإقليمى للفتاوى، والتوقف عن تصدير الفتاوى خارج نطاقها المكانى، فلكل بلد أو منطقة أو جهة أحوالها، وأعرافها وثقافتها الخاصة، وما يصلح لبلد معين قد لا يصلح لآخر، والدعوة لأن يكون لكل بلد مرجعية علمية قائمة بذاتها، والتشديد على عدم تدخل أى مرجعية علمية فى بلد معين فى شئون بلد آخر؛ انطلاقا من ضرورة احترام الدول الوطنية بصفتها وحدات أساسية تتكون منها الأمة المسلمة، فأمة المسلمين تتكون من دول وطنية يجب احترامها، وعدم المساس بخصوصيتها؛ لأن ذلك هو الطريق الأمثل لتحقيق وحدة المسلمين، وضمان الاستقرار والأمن فى مجتمعاتهم. رابعا: الإقرار بالتعدد المذهبى والفقهى، واحترام هذا التعدد، وعدد أولوية أى مذهب على الآخر، فالجميع مسلمون، ومن ثم تفقد هذه الإيديولوجيات الثلاث مبررات وجودها، لأنها فى الأساس يقوم وجودها على مواجهة الآخر المسلم، فدون وجود آخر مسلم يتخذونه عدوا لن يكون لهذه الأيديولوجيات الثلاث وجود، فولاية الفقيه يبرر وجودها أعداء آل البيت الذين صنعتهم الآلة الإعلامية الإيرانية وجسدتهم فى المملكة ومحيطها السنى، ووجود حركة الصحوة مبرر بوجود المخالفين من الشيعة والصوفية من ناحية، والعلمانيين والمعارضين لتطبيق الشريعة من ناحية أخرى، ووجود تنظيم الإخوان مبرر بأنهم هم وحدهم الجماعة الربانية التى تقوم بدور أستاذية المسلمين ثم أستاذية العالم بعد التمكين، وفى حالة الإقرار بأن المسلمين جميعهم بكل مذاهبهم سواء تفقد هذه الأيديولوجيات مبررات وجودها. لمزيد من مقالات د. نصر محمد عارف