منذ نحو ثمانين عامًا، وبالتحديد فى النصف الثانى من عام 1938م، صدر كتاب (مستقبل الثقافة فى مصر) لمؤلفه الدكتور طه حسين، الأستاذ آنذاك بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا)، وهو كتاب رائد حمل الكثير من الأفكار والمقترحات المهمة، وقد رأى صاحبه أن واجب المصريين فى الثقافة والتعليم بعد توقيع معاهدة سنة 1936م بين مصر وإنجلترا وتحقيق الاستقلال أعظم خطرًا وأشد تعقيدًا، ويحتاج إلى جهد أشق وتفكير أعمق وبحث أكثر تفصيلًا. ويبدو أننا مدعوون اليوم، وربما أكثر من أى وقت مضى، للبحث والتفكير فى حاضر الثقافة المصرية ومستقبلها، لاسيما وأننا نحتفل هذا العام بمرور ستين عامًا على تأسيس وزارة الثقافة، التى ارتبطت وقت تأسيسها عام 1958م بالإرشاد القومي، وإن استقلت فى وقت لاحق، كما نحتفل فى نهاية يناير من العام المقبل بمرور خمسين عامًا على انطلاق معرض القاهرة الدولى للكتاب، الذى يُعد واحدًا من أكبر معارض الكتاب على مستوى العالم بما حققه من سمعة دولية ومشاركات ضخمة ومتنوعة، كمًا وكيفًا، على مستوى دور النشر والجمهور، وكان معرض القاهرة للكتاب قد بدأ عام 1969م بالتزامن مع الاحتفال بمرور ألف عام على تأسيس مدينة القاهرة. ولعلنا نتطلع إلى استراتيجية ثقافية تأخذ فى الاعتبار الدور الفعّال لكل المؤسسات الثقافية فى نشر الثقافة والمعرفة، عبر مخاطبة مختلف الفئات والأعمار فى مختلف المحافظات، ومن جانب آخر مواكبة الجديد فى مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، حتى يسهل الوصول إلى الشباب، الذى يمثلون بدورهم الشريحة الأكبر بين المصريين، خاصة أن مؤسسات الثقافة تُسهم مع غيرها من مؤسسات التنشئة الاجتماعية (مثل الأسرة، الدين، الإعلام، التعليم، الشباب، المجتمع المدني، البرلمان.. إلخ)، فى محاربة الجهل والتخلف ومواجهة ممارسات التعصب والعنف والإرهاب، وفى المقابل نشر قيم المواطنة والحوار والتعاون والتسامح والسلام واحترام الآخر المختلف وتدعيم ثقافة العمل الجماعى والعيش الإيجابى المشترك. ويمكن الإشارة هنا إلى ثلاثية التطوير والتنسيق والتعاون، التى تجسد فكرة الانطلاق من الداخل إلى الخارج بهدف نشر الثقافة والتنوير، فأولًا: تطوير العمل داخل كل مؤسسة من مؤسسات وزارة الثقافة أخذًا فى الاعتبار أهمية استطلاع رأى العاملين فى كل مؤسسة لأنهم سيقومون بتنفيذ مقترحات التطوير، إضافة إلى رأى الجمهور الذى يتعامل مع تلك المؤسسات ليعبر عما يعانيه من معوقات وما يفكر فيه من اقتراحات. ثانيًا: التنسيق بين المؤسسات المختلفة التابعة لوزارة الثقافة بعضها بعضًا، حتى لا تبدو كل مؤسسة أو هيئة ثقافية وكأنها جزيرة منعزلة، الأمر الذى يهدر الوقت والمال والجهد فى كثير من الأحيان. ثالثًا: التعاون بين مؤسسات وزارة الثقافة وغيرها من الوزارات والجهات الرسمية، والتعاون مع مختلف مؤسسات المجتمع مثل الأزهر الشريف والكنائس المصرية ومنظمات المجتمع المدنى وغيرها. هناك الكثير من الجهود المبذولة بشأن تطوير وزارة الثقافة من أجل تحقيق فعاليتها، وهى جهود تحتاج حوارًا مجتمعيًا ونقاشًا جماهيريًا، فى ظل إرادة قوية ورغبة حقيقية فى التطوير، تنطلق من أهمية الثقافة وضرورتها للفرد والمجتمع، باعتبارها أسلوب حياة ومنهج عمل وتفكير، ما يتطلب مواجهة المشكلات التى تعوق العمل الثقافى مثل ضعف قدرات بعض العناصر البشرية، فضلًا عن ضعف المخصصات المالية، ما يفرض الحاجة إلى تعظيم الموارد المالية الكافية لتحقيق أهداف الوزارة وتطلعاتها، والاستعانة بالكوادر البشرية المتميزة والمُدرّبة فى إدارة الشأن الثقافي، وتبنى العناصر المُبدعة وتمكينها. لمزيد من مقالات ◀ د. رامى عطا صديق