بدون عصبية أو تطرف «شوفينى» أو قومى، فإن الممارسات التركية والثقافية النظامية السائدة فيها تقول إننا أمام دولة ربما تكون من أكثر بلاد العالم استبدادا ومعاداة للديمقراطية، وقد يكون تقرير الجمعية البرلمانية لحلف الناتو الذى صدر مؤخرا دليلا على ذلك، فرغم أن تركيا هى إحدى دول الحلف، فإن التقرير أشار بانزعاج كبير إلى أمرين أحدهما هو مجموعة الإجراءات لقمع معارضى النظام التركى منذ ما قيل إنه محاولة انقلاب جماعة جولن فى صيف 2016، والثانى الشكوك التى تكتنف طريقة الاستفتاء لصالح النظام الرئاسى عام 2017 الذى فاز به حزب العدالة والتنمية الحاكم بأغلبية بسيطة، ويرى بعض المراقبين فى الناتو أن ذلك الاستفتاء جرى على أسس غير عادلة، كما يلفت النظر تناول تقرير الجمعية البرلمانية للناتو قيام سلطات أردوغان بالقبض على قادة حزب الشعوب الديمقراطى «المؤيد للأكراد» ضمن هوجة من القبض والعزل من الوظائف التى صاحبت محاولة الانقلاب المزعومة، بما يوحى بأن السلطات التركية استغلت محاولة الانقلاب لتحقيق أهداف سياسية أخرى، منها مواصلة ما أراه «تصفية عرقية» تقوم بها ضد الأكراد، زاعمة أنهم «جميعا» مرتبطون بحزب العمال الكردستانى. كل هذه الظروف والملابسات أدت إلى تصنيف الناتو لتركيا على أنها الدولة التى تتفرد بين أعضائه بأنها: «لا ديمقراطية».. وطبعا تتبع التاريخ التركى كله يقول إن هذا البلد أسس لاستبداد حقيقى وكبير ربما كان من مشاهده المشهورة مذبحة الأرمن، أو ما ورد فى بعض النصوص الأدبية الأوروبية مثل أعمال «كازانتساكس»، وبالتالى إعادة تأهيله ديمقراطيا أو تأسيس ثقافة التسامح والتعدد فيه يعد عملا ضروريا. مشاهد التاريخ البعيد لا تؤثر على سلوك الدولة الحديثة فى تركيا وكيف ذلك، وأردوغان يحاول استدعاء مشاهد هذا التاريخ فى كل المظاهر المحيطة بسلطته وسلطة حزب العدالة والتنمية والتى وصلت إلى محاولة إحياء الخلافة العثمانية بشكلها ومفاهيمها المتضمنة، والمدهش أن هذا النظام عميق الجذور فى الاستبداد، نصب من نفسه مفتشا على ديمقراطية دول المنطقة «وأولها مصر» ومدى التزامها بحقوق الإنسان بينما هو الذى أغلق 1500 مؤسسة مجتمع مدنى بعد انقلاب جولن المزعوم. لمزيد من مقالات د. عمرو عبدالسميع