وحدث ما لم يكن فى الحسبان.. وما لا يخطر ببال بشر.. ونحن نعيش الآن فى زمان غير زماننا.. زمان يبعد عنا 143 عاما بحاله.. وهو زمان خروج الأهرام «أيقونة» الصحافة المصرية إلى النور أول مرة فى الاسكندرية فى الخامس من أغسطس من عام 1876.. الذى أخذتنا إليه مركبة الزمن التى يخفيها رفيق الدرب والطريق عالم المصريات الذى اسمه زاهى حواس فى غرفة سحرية تقبع بين أقدام أبو الهول العظيم.. يملك هو وحده مفاتيح وأسرار تشغيلها.. رجوعا بالزمن إلى الوراء.. وليس صعودا وطرقا لأبواب المستقبل الذى لم تشرق شمسه بعد.. وها نحن يا رفاق مهنة القلم والألم والهم الصحفى المصرى نشهد الأيام الأولى لخروج الأهرام إلى النور قبل 143 عاما.. فى زمان غير زماننا.. ومعنا أربعة من شباب وفتيات الجيل الصاعد الواعد من الصحفيين، أرسلهم إلينا للتدريب العزيز الغالى عبد المحسن سلامة.. بوصفه نقيبا للصحفيين.. ولأننا أصبحنا نعيش فى عام 1876 فقد تقابلنا وتحاورنا مع الجورنالجى الأول أول رئيس تحرير للأهرام الذى اسمه سليم تقلا.. لنفاجأ صباح اليوم يعنى النهاردة برسالة صغيرة تركها لنا المكتشف الأعظم تقول كلماتها بالحرف الواحد: آسف جدا يا رفاق.. اضطررت للعودة بمركبة الزمن إلى زماننا الذى جئنا منه يعنى عام 2018 لانى على موعد للسفر إلى باريس اليوم لافتتاح معرض آثار «توت عنخ آمون» الذى سيفتتحه الرئيس الفرنسى ماكرون.. وسأعود إلى زمانكم مرة أخري... يقصد زمان خروج الأهرام إلى النور لأول مرة فى أغسطس فى عام 1876 الذى نعيش فيه الآن.. يعنى إيه؟ يسألنى عمنا وتاج راسنا د. يونان لبيب رزق صاحب موسوعة: الأهرام ديوان الحياة المعاصرة والذى اصطحبناه معنا فى مركبة الزمن لكى يلتقى وجها لوجه مع الجورنالجى الأول مؤسس الأهرام وأول رئيس تحرير له الذى اسمه سليم تقلا وقد جلست أنا معه وتحدثت إليه كما أشرت هنا فى تحقيق السبت قبل أسابيع وهو معنا الآن فى زمان يبعد عن زماننا إلى الوراء 142 عاما بالتمام والكمال.. ونحن معه محبوسون مثله تماما فى هذا الزمان.. حتى يعود إلينا بمركبة الزمن رفيق الدرب والطريق لنعود كلنا معا إلى زماننا الحقيقى وهو عام 2018 الذى نعيش آخر شهوره الآن.. يقاطعنى عمنا د. يونان لبيب رزق بقوله: هذا يا عزيزى إذا عاد بالفعل..! وإذا لم يعد.. تسأله إحدى الصحفيات الناشئات؟ قال: مكثنا إلى آخر يوم فى عمرنا فى زمان صدور الأهرام أول مرة..! قالت فى فزع: يعنى فى عام 1876.. يا خبر دى تبقى حكاية ورواية! *** أسقط برفع الألف وسكون السين فى يد الشباب الأربعة.. الولدين والبنتين.. وران صمت عجيب.. بعده.. صاحت فتاة تتدرب فى جريدة يومية كبري: الحقونى بالكلونيا.. قبل ما أقع من طولى! وقالت الثانية: يعنى لو ما جاش اللى اسمه المكتشف الأعظم ده.. حنقعد فى هذا الزمان إلى آخر العمر.. دى كانت أمى تقع من طولها على الأرض! ولكن الشابين الماكرين استغرقا فى موجة غريبة فى الضحك العجيب.. قال الأول: والله نعيش هنا أحسن ألف مرة فى هذا العصر الرائع والبلد الجميل.. بدلا من الهرولة والجرى وراء لقمة العيش فى عصرنا الذى كنا فيه! وقال الثانى: يا جماعة رب هنا.. رب هناك.. وعمنا الجورنالجى الأول رئيس تحرير الاهرام اللى اسمه سليم تقلا.. هيلاقى أحسن مننا فين محررين صحفيين متعلمين ومتربيين أحسن تربية. وآخر حلاوة نزلوا عليه من زمان أكثر اشراقا وأكثر تحضرا يبعد عن زمانه هذا أكثر من 143 سنة.. واحنا بالنسبة له.. وبالنسبة للزمن ده لقطة.. برفع اللام وسكون القاف فاهمين يعنى ايه لقطة! يضحك الجميع.. بمن فيهم عمنا سليم تقلا رئيس التحرير نفسه! طيب وماذا فعل صاحب سلسلة «الأهرام ديوان الحياة المعاصرة» الذى اسمه د. يونان لبيب رزق.. وهو معنا يتنفس هواء زمان يبعد عن زماننا 143 سنة بحالها؟ أسمعكم تسألون؟ لقد قال بعد صمت طال: لم يتغير شىء يا رفاق مهنة القلم.. ألسنا كلنا نجلس الآن تحت سقف الأهرام نفسه الذى وهبنا له عمرنا بأكمله.. لم يتغير شىء.. الزمان هو الذى تغير.. ولكن الأشخاص هم نفس الأشخاص الذين يفكرون ويكتبون فى نفس الجريدة التى اسمها الأهرام.. لقد كنا نكتب فى أهرام 2018.. فماذا يضيرنا إذا كتبنا واجتهدنا فى الأهرام نفسه ولكن فى أيامه الأولى فى عام 1876؟ أتدخل بقولى: ونحن نحمل فى رءوسنا أفكارا وخبرة أكثر من 140 سنة أهرام.. حاجة عظيمة موش كده واللا إيه؟ لم يتركنا د. يونان لبيب رزق ننتظر طويلا بل بادرنا بقوله: المراجع واعداد الأهرام ومجلداته أصبحت الآن حية ترزق.. يعنى سوف نعيش الأحداث ساعة وقوعها ونقابل من صنعوها.. ومن كتب فى الأهرام ..وجها لوجه..تصوروا؟ يعنى أيها السادة نحن نعيش الآن الأحداث الكبرى يوما بيوم، ساعة وقوعها.. ونقابل من صنعوها ونتحدث إليهم وجها لوجه.. إحنا عاوزين أكثر من كده إيه؟ *** حتى يعود عمنا زاهى حواس بمركبة الزمن.. أنتم من الآن ملك يمينى وطوع بنانى.. هكذا قال لنا عمنا الجورنالجى الأول الذى اسمه سليم تقلا حديثه إلينا نحن الخمسة: شباب الصحفيين الأربعة البنات والبنين + أنا.. ثم لبينا دعوة عمنا يونان لبيب رزق للفرجة على ميدان القناصل فى الاسكندرية الذى زاره جده الأكبر زمان على حد قوله.. نزلنا سلم الأهرام كلنا بربطة المعلم كما يقولون.. نحن الآن فى ميدان القناصل ميدان المنشية الآن الذى وصفه الرحالة الفرنسى دى فرجانى الذى زار الاسكندرية فى عام مولد الأهرام فى عام 1876 وأصدر كتابا عنه بقوله: فى شارع البورصة المتفرع من ميدان القناصل المنشية الآن وفى مبنى أمام بنك الرهونات ولد الأهرام يوم السبت 5 أغسطس عام 1876.. ثم أصدر كتابا جاء فيه أن ميدان القناصل الذى شهد مولد الأهرام يقدم نموذجا للميادين الأوروبية.. وهناك أقاموا تمثالا بديعا من البرونز لمحمد على باشا عام 1873 صنعه المثال الفرنسى «جاكمون»، حيث انتصب على قاعدة من الرخام الإيطالى فى وسط الميدان، وصار الميدان محاطا بالنصب التذكارية والفنادق الفخمة والمتاجر الغنية التى هى نسخة من متاجر لندنوباريس + النافورات وغير ذلك من الوسائل الترفيهية التى جلبها الأجانب معهم. ولكن ماذا عن الصحف أيامها؟ ومن إحصاء عن الصحف التى أصدرها الصحفيون الشوام فى الفترة بين عام 1873 وعام 1890 بلغت ست صحف، أربع منها: هى الكوكب الشرقى والأهرام والتجارة والمحروسة صدرت فى الإسكندرية، بينما صدرت الأخريان وهما مصر ومرآة الشرق فى القاهرة. والمعلوم أن الصحيفة العربية التى سبقت الأهرام فى الاسكندرية هى صحيفة «الكوكب الشرقى» التى كان يصدرها سليم حموى الأمر الذى يمكن القول معه إنها كانت بمثابة الخطوة الأولى التى مهدت الطريق لإصدار الأهرام بعد ذلك بثلاث سنوات فحسب. *** تسأل صحفية شابة من الصحفيتين اللتين معنا: وماذا عن دنيا الفن. نريد ياعمنا أن نذهب إلى السينما.. إلى المسرح.. طبعا لا يوجد إذاعة ولا تليفزيون! أرد أنا: لم يخترعوها بعد.. باق على ظهورها نحو سبعين عاما ويزيد؟ قالت: طيب والفرق المسرحية ما أخبارها؟ يتدخل عمنا وتاج راسنا د. يونان لبيب رزق فى الحديث بقوله: أنا عندى الجواب: يصف أحد مؤرخى الصحافة فى مصر الأسباب التى أدت إلى بدء الفرق المسرحية لعروضها فى مصر فى الاسكندرية عام 1876..عام صدور الأهرام، بقوله: إنه بعد وصول سليم نقاش وأديب اسحق ويوسف الخياط إلى مصر فضلوا أن يبدأوا عملهم فى إنشاء الفرق المسرحية فى الإسكندرية على أساس «أن مجتمعها سيكون أكثر تحررا من مجتمع القاهرة. وأن نظرة الناس إلى الممثل باعتباره مهرجا واراجوزا ستكون أقل فى الاسكندرية عنها فى القاهرة». ونتوقف هنا عند قوله «المجتمع الأكثر تحررا» وهى حقيقة استمرت تفرض نفسها على المجتمع السكندرى ربما حتى يومنا هذا.. ويمكن أن يكون هذا التحرر فى جانب منه أن الإسكندرية مع كونها من أقدم المدن المصرية تاريخيا فهى من أحدثها اجتماعيا، ذلك أن أغلب سكان الإسكندرية قد وفدوا إليها سواء من سائر أنحاء مصر أو خارجها، ومثل هذه المجتمعات الوافدة تكون أقل ارتباطا بتقاليد المجتمعات القديمة التى جاءت منها لو بقيت فيها، وهى بالتالى أكثر قبولا للجديد من المجتمعات المحافظة التى جاءت منها، بجانب غلبة الأجانب فى الاسكندرية. قلت: لاتنس أن الاسكندرية مجتمع مفتوح على ثقافة البحر الأبيض المتوسط بكل دوله وشعوبه وثقافاته.. قال: لا تنس أن التعليم الأجنبى فى الاسكندرية قد خلق قاعدة من المثقفين القادرين على استيعاب الأفكار والآراء التى تنادى بها الصحيفة الجديدة. وكانت المدارس التى يقيمها الفرنسيون والبريطانيون هى المدارس الأكثر قبولا للطلاب المصريين عن المدارس التى أقامها اليونانيون والايطاليون والألمان والأرمن. وفى عام صدور الأهرام كان فى الاسكندرية أكثر من ثلاثين مؤسسة تعليمية فرنسية، منها ماهو تابع للارساليات الدينية مثل مدارس الراهبات والفرير والجزويت، ومنها ماهو تابع للبعثة العلمانية الفرنسية مثل مدارس «الليسيه» ومنها مدارس خاصة أقامها أصحابها مثل مدرسة الاتحاد الاسرائيلى وجيرار التى يدخلها أبناء الجالية اليهودية. وقد شكل خريجو تلك المدارس وطلابها قاعدة صلبة لبناء شخصية «الأهرام» الذى انحاز منذ البداية للثقافة الفرنسية وكل ما تمثله.. وهو انحياز وصل إلى حد الاحتماء بالنفوذ الفرنسى عند كل أزمة. مما شكل صفحة مثيرة من صفحات تاريخ الأهرام! *** وفى انتظار عودة عمنا المكتشف الأعظم زاهى حواس من رحلته إلى أوروبا.. إلى زمان صدور الأهرام الذى نعيش فيه الآن.. راكبا مركبة الزمن.. أعلن عمنا وتاج راسنا الجورنالجى الأول سليم تقلا تمسكه بالصحفيين الأربعة بنين وبنات وتعيينهم فى الأهرام كمحررين براتب لكل واحد 500 فرنك.. بعملة ذلك الزمان، على أن تقيم الفتاتان فى قصره فى محطة الرمل مع زوجته وبناته.. حفاظا عليهما.. ياسلام سلم.. وهذه العبارة منى أنا بينما.. يقيم الصحفيان الشابان فى شقة فوق مبنى الأهرام فى ميدان القناصل فى الروف الفوقانى حتى عودة عمنا وتاج راسنا المكتشف الأعظم الذى اسمه زاهى حواس يقود مركبة الزمن التى ستعود بنا كلنا بربطة المعلم إلى عصر الأهرام الحالى يعنى عام 2018.. يامين يعيش! *** ترى هل عاد الينا حقا ويقينا المكتشف الأعظم..؟ أم تركنا نعيش نحن الستة: د. يونان لبيب رزق + الصحفيين والصحفيات الأربعة + العبد لله الشقى دنيا وآخرة.. فى عصر صدور الأهرام قبل 142 سنة؟ ذلك إن شاء الله.. له حديث آخر. ----------------------------------------------- (( دخل الأهرام في شهر أغسطس الماضى عامه 143 اللهم زيد اللهم بارك ولقد ذهبنا إلى الإسكندرية حيث ولد الأهرام لنشهد عيد ميلاده ال 143 .. فماذا وجدنا؟! ))