من اللقطات المهمة الجديرة بالتوقف فى التظاهرة الصاخبة ضد فستان رانيا يوسف أن الهتافات تكرر أن الفستان أشعل ثورة غضب جمهورها. فهل حقاً جمهورها هو الثائر أم أنه جمهور آخر؟ وهل من تحفظوا أو رفضوا يدخلون فى فئة الثائرين؟ ثم يأخذ عليها بعض المتظاهرين أنها تتوهم أن هذا فى باب الحرية، لأن الحريات، هكذا يقولون، يُقصَد بها حريات الفكر والرأى والتعبير والإبداع! فهل حقاً يحترم هؤلاء هذه الحريات؟ أم أنه مجرد استخدام أى حجة يظنون أنها تدعم موقفهم؟ وأين كانوا فى قضايا حبس المبدعين والمفكرين؟ وأما كلامهم عن أن الفستان يجافى الذوق العام والأخلاق المصرية الراسخة لأنه يُعرِّى أجزاء من جسمها، فلماذا لا يتحركون أمام عرى المعدمين فى الطريق العام؟ ولماذا لم يتحرك أى منهم فى مثل جرائم الفساد التى تجافى الأخلاق الراسخة؟ وسؤال مباشر كاشف: هل تظاهرتهم تنصب حقاً على عدم توافق الفستان مع مناسبة ارتدائه؟ يعنى: هل يجيزون أن ترتدى المرأة المايوه على الشاطئ، أم أنهم يرونها مسألة مبدأ؟ فى واقعة شبيهة قبل نحو نصف القرن، لعبت ممثلة سينمائية مغمورة دور إغراء تافه دون مضمون، فاكتفى المصريون بسلاح النكتة ضدها، بالقول إنها نسيت ارتداء الفستان، وإنها ارتدته ولكن اللصوص غافلوها وسرقوه، فلم تنتبه المسكينة وهى أمام الكاميرا. أو: الحقيقة إنهم صوروها على غفلة دون أن تدرى. أو: يا جماعة الخير، الست ظروفها وحشة ومش قادرة تشترى فستانا كاملا..إلخ. وأما الدليل على صحة الذوق العام فيتضح فى أن رانيا لم تجد من يدافع عن فستانها، بل إنها شخصياً اضطُرَت للاعتراف بسوء اختيارها. وكان هذا كافياً لإنهاء الموضوع دون كل هذا الصخب، وكان على نقابتها أن تكون أكثر حسماً فى لمّ الموضوع، لأنه لا يصح أن يستمر البعض فى استغلال ثغرات قانونية وإجرائية لينفذوا منها لممارسة الحِسبة باسم المجتمع، واستنزاف الرأى العام بالتصعيد بتحريك دعاوى قضائية، والدفع لمناقشات برلمانية، والنفخ على الانترنت، استعراضاً لقوتهم ولقدرتهم على فرض ما يحبونه ومنع ما يرفضونه. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب