رسمت تطورات الأحداث في عام2009 صورتين متناقضتين لمستقبل القضية الفلسطينية في الأعوام المقبلة. الأولي شديدة القتامة وتظهر ملامحها الرئيسية في تخاذل المجتمع الدولي في حمل إسرائيل علي تطبيق القرار رقم1860 في شأن الحرب علي غزة لجهة فتح المعابر ورفع الحصار وإعادة الإعمار, وتوقف عملية المصالحة الفلسطينية, علي حدود التماس بين محوري الاعتدال والممانعة وإعلان تيار الحل السلمي الفلسطيني عن فشل مسار أوسلو في ظل تراجع اليسار الإسرائيلي وتوجه المجتمع نحو مزيد من التشدد وجمود عملية المفاوضات وتواري بشارات الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي فشل في اثناء بنيامين نيتانياهو زعيم اليمين المتشدد الحاكم في إسرائيل عن موقفه الرافض للوقف الكامل للاستيطان والتهويد الشرس للقدس. أما الصورة الثانية فتبدو متفائلة وتتجلي معالمها, في التداعيات القانونية والدبلوماسية المستمرة للحرب علي غزة, والتي تنذر علي المدي البعيد وفي ظل غياب طويل للحل السياسي علي أساس الدولتين بصعوبة خروج إسرائيل من نفق نزع الشرعية, ويزج بها في حروب الحقوق المدنية للفلسطينيين التي اجتازها النظام العنصري الأبيض في جنوب إفريقيا وأدت إلي انهياره قبل ثلاثين عاما. وبدت هذه المعالم واضحة في تبني مجلس حقوق الإنسان الدولي لتقرير لجنة تقصي الحقائق الأممية برئاسة القاضي اليهودي ريتشارد جولدستون الذي اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وربما جرائم ضد الإنسانية, الأمر الذي كبل يدها عن شن حروب طويلة في المستقبل, علي غرار الحرب علي غزة22 يوما والحرب علي لبنان34 يوما ووفر ل الجولدستونيين من نشطاء حقوق الإنسان البنية التحتية لملاحقة قادة تل أبيب من السياسيين والعسكريين المسئولين عن الحرب قضائيا في انحاء أوروبا. ويزيد من حجم هذه الصورة ان إ سرائيل تتعرض منذ حرب الرصاص المصبوب علي غزة لطوفان من الهجمات اسهم في إضعاف مكانتها وتشويه سمعتها الاخلاقية وظهر عمليا في اتجاه تركي نحو تبريد العلاقات مع تل أبيب وتصاعد حملات مقاطعة الدولة العبرية في أوروبا, وقرار الحكومة البريطانية وضع علامات علي منتجات المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة للتسهيل علي من يريد مقاطعتها. غير أن العنوان الابرز لهذه الصورة المشرقة يبقي في تبلور تيار داخل دول الاتحاد الأوروبي ال27 يقف وراء وثيقة انهاء الاحتلال وإقامة الدولة التي أعلنها رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض المدعوم أمريكيا في25 أغسطس الماضي وتهدف الي اتخاذ خطوات استباقية بإقامة مؤسسات الدولة الفلسطينية علي الأرض( وفقا لمرجعية إعلان الاستقلال الفلسطيني عام1988 وليس إعلان أوسلو), تمهيدا للاعتراف بهذه الدولة من جانب واحد ثم الذهاب إلي مجلس الأمن لاستصدار قرار ملزم بإقامتها علي حدود4 يونيو1967, وهو ما كشف عنه روح مشروع البيان الذي أعدته الرئاسة السويدية للاتحاد بشأن عملية السلام والذي خرج في نسخة نهائية معدلة في8 ديسمبر الحالي متجنبا الاشارة المباشرة تحت ضغوط قادتها فرنسا إلي حدود الدولة الفلسطينية, لكنه ألمح اليها ضمنا حينما رفض الاعتراف بأي تغييرات تطرأ علي حدود العام1967 وضم القدسالشرقية لإسرائيل. وعلي الرغم من أن نص البيان النهائي خفف من حدة الاشارة المباشرة في المشروع السويدي إلي إمكانية الاعتراف مستقبلا بإعلان فلسطيني احادي الجانب عن دولة فلسطينية في تلميح لمشروع سلام فياض مكتفيا بالتأكيد علي استمرار مساهمات الاتحاد في العمل علي بناء الدولة الفلسطينية وجاهزيته للاعتراف بها في اللحظة المناسبة فإن كل هذه التفاعلات تظل انعكاسا لنضوج رأي عام داخل أورقة الاتحاد, ينذر بقيام أوروبا بدور أكثر فعالية في عملية السلام يتجاوز مرحلة سابقة اتهمت فيها بأنها نمر من ورق ومجرد دفتر شيكات. وإذا كان من الممكن اعتبار الإعلان الأوروبي الجماعي بشأن عملية السلام, ورفض أوباما منح إسرائيل شيكا علي بياض, ثمرة أولي لمبادرة السلام العربية بعد9 سنوات من إطلاقها رسميا, إلا أن تفاعلات هذا التطور في ظل سيطرة اليمين المتشدد علي الحكم في إسرائيل وغياب مشروع وطني فلسطيني تبقي قيد قدرة العرب والفلسطينيين علي الاصطفاف إما وراء مشروع سلام فياض باعتباره مشروع المقاومة الوحيد المطروح علي الطاولة والمدعوم دوليا, في اتجاه فرض حل الدولتين علي إسرائيل علي أساس حدود4 يونيو1967 أو البدء في ولوج الطريق الثاني نحو خيار حل الدولة الواحدة والذي سيمر عبر حروب قانونية طويلة من أجل انتزاع الشرعية عن إسرائيل.