لفت نظري في بداية عملي في اليابان هذا العسكري الذي يدور ويلف بدراجة في الشوارع, ولاحظت أنه يسجل كل ما يلفت نظره في الشوارع من أشخاص وأشياء, بعد ذلك عرفت أنه يعمل في مركز صغير للبوليس يطلق عليه اليابانيون الكوبان, وهو عبارة عن مبني صغير علي قارعة الطريق أو بجوار محطات المترو مكون من دورين غالبا, ويخدم فيه نحو خمسة أو ستة أمناء شرطة يتناوبون الدوريات فيما بينهم لخدمة سكان المنطقة, وكل مجموعة بلوكات من المباني, ربما لا يزيد عدد سكانها علي20 ألف نسمة, لها كوبان, وعندما يأتي ساكن جديد في المنطقة التي يغطيها الكوبان فإن الوافد الجديد لابد أن يذهب إلي الكوبان لتسجيل نفسه وإبلاغ المسئولين هناك بأنه انتقل إلي السكن في هذا المكان, وقبل أن تشتري سيارة يجب أن تذهب إلي الكوبان وتحصل علي ورقة تؤكد أن لديك جراج للسيارة, ويأتي أمين شرطة من الكوبان إلي العمارة التي تسكن بها ليتحقق من وجود الجراج ومدي ملاءمته لسيارتك, وبعدها فقط يمكن أن تحصل علي الورقة التي تسمح لك بشراء السيارة! وفي الشهور الأولي لي في اليابان, فوجئت بأمين شرطة من الكوبان يطرق بابي حاملا مجموعة من الجرائد القديمة وسألني: هل هذه الجرائد لك؟ وكلها كانت نسخا قديمة من الأهرام وغيرها من الصحف العربية, قلت له: نعم, فطلب مني ألا ألقي الجرائد مرة أخري في سلة القمامة الخطأ, وأنه يجب علي أن أضعها في السلة الخاصة بالصحف, وفي اليوم المحدد لذلك كما طلب مني أن أحضر محاضرة عن ذلك في مجلس المدينة أصيبت بدهشة شديدة, إذ كيف عرف أنني صاحب هذه الجرائد وهو لا يعرف اللغة العربية؟ وبعدها عرفت أن أمين الشرطة الذي يلف الحي بالدراجة يفتش ويراقب كل شيء, ويعرف دبة النملة في كل مبني وشارع تابع له. وقد سعدت للغاية أن وزير الداخلية قال إنه سوف يعود إلي عسكري الدرك وإنشاء نقاط شرطة صغيرة لتأمين الشوارع موزعة في نطاق المربعات السكنية, وما يتحدث عنه الوزير قريب جدا مما هو حادث في اليابان, فلماذا لا نوفد بعض أمناء وضابط الشرطة إلي اليابان لدراسة نظام الكوبان وتطبيق ما يصلح منه في مصر؟! المزيد من أعمدة منصور أبو العزم