احتدام النزاع بين روسياوأوكرانيا فى مثل هذا التوقيت يشير فى الكثير من شواهده إلى وجود صاحب «مصلحة مباشرة» من تفجير الموقف إلى مثل ذلك الحد الذى بلغته الاحداث فى مضيق كيرتش على مقربة من شبه جزيرة القرم، وهو ما يبدو استمرارا لمحاولات تأجيج الخلافات بين موسكووواشنطن، وتأليب الرئيس دونالد ترامب ضد نظيره الروسى فلاديمير بوتين وتوفير الظروف المناسبة لإقامة قواعد عسكرية امريكية فى اوكرانيا على مقربة مباشرة من الحدود الروسية . ذلك ما يتوقف عنده المراقبون فى موسكو فى معرض البحث عن الاسباب التى تقف وراء ما وصفته الخارجية الروسية بالعملية الاستفزازية من جانب النظام الاوكراني. ورغم تباين التصريحات وتطاير الاتهامات من الجانبين ، فإن الغموض لا يزال يكتنف الكثير من جوانب الموقف الراهن، وان ظهر ما ينذر باحتمالات الانزلاق إلى ما هو أبعد، وانضمام أطراف ثالثة الى جبهة المواجهة، دعما لتوجهات الرئيس الاوكرانى بيترو بوروشينكو الذى تقول استطلاعات الرأى إن شعبيته تتراجع إلى حد يهدد «حلمه» بالفوز بفترة ولاية ثانية، قبيل الانتخابات الرئاسية المرتقبة فى مارس المقبل. وهديا بما تقوله بدهيات السياسة حول «ضرورة افتعال أخطار خارجية، لصرف الانظار عن متاعب الداخل»، يمكن فهم الاسباب الحقيقية للمغامرة التى دارت أحداثها على مقربة من الجسر الاستراتيجى الذى يربط القرم بالأراضى الروسية. وكانت المصادر الرسمية الروسية أعلنت عن انتهاك ثلاث من السفن الحربية الاوكرانية المياه الاقليمية الروسية وإطلاق النار عليها واحتجازها فى ميناء كيرتش، ما كان مقدمة لحملة عاصفة شنها الرئيس الأوكرانى ضد موسكو، سرعان ما حظيت بتأييد العديد من ممثلى الناتو والدوائر الغربية. وفيما أعلن بوروشينكو حالة الطوارئ ورفع درجة استعداد القوات المسلحة الاوكرانية، وصف سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية ما جرى من أحداث فى مضيق كيرتش بأنه «استفزاز واضح». وقال إنه «تم انتهاك الأحكام الرئيسية للقانون الدولي، وليس فقط القانون البحري، وكذلك ميثاق الأممالمتحدة، واتفاقية عام 1982 لقانون البحار، والمواثيق الدولية الأخرى التى تلزم الدول باحترام سيادة بعضها». وفِى هذا الصدد نشير الى الاتفاقية الموقعة بين روسياواوكرانيا فى عام 2003 حول وضعية بحر أزوف ومضيق كيرتش، والتى سبق أن اعتبرتها مصادر الخارجية الاوكرانية هزيمة لأوكرانيا، بما تنص عليه من حقوق لروسيا، تزيد وطأتها اليوم على خلفية ضم شبه جزيرة القرم واتساع مساحات المياه الإقليمية لروسيا فى حوض البحر الأسود. وبعيدا عن تفاصيل تطورات المواجهة بين الجانبين ، نشير الى ما أعقب ذلك من تلاسن وحملات وتصريحات إعلامية متبادلة، ومنها ما أوجزه جريجورى كاراسين نائب وزير الخارجية الروسية فى تصريحاته إلى وكالة «نوفوستي». قال كاراسين « ان ما كان يراود روسيا من مخاوف حول ان يكون الغرب وكييف اختارا بحر آزوف حلبة لنشاط استفزازى أوكرانى يتسبب بسرعة فى فضيحة دولية يريدانها، فى سبيله إلى حيز التنفيذ بالفعل». وأضاف كاراسين «إن أهداف هذا الاستفزاز واضحة، وتتمثل فى حشد المشاعر المعادية لروسيا فى الغرب، وتشديد العقوبات ضد روسيا»، فيما اعتبر ذلك محاولة سافرة من جانب الرئيس الاوكرانى للتأثير على أجواء الاستعدادات للانتخابات الرئاسية المرتقبة فى مارس من العام المقبل، وبما قد يكفل رفع شعبيته ودعم حملته الانتخابية. وفى هذا الصدد نشير ايضا الى ما قاله نيكولاى باتروشيف سكرتير مجلس الامن القومى الروسى فى تصريحاته الى صحيفة «ارجومينتى اى فاكتي» حول أن «الاستفزازات من جانب بوروشينكو، تؤكد مرة أخرى أنه يعتزم بناء حملته الانتخابية على تأجيج التهديدات الوهمية فقط، فى ظل عدم وجود برنامج انتخابى متماسك واضح لديه، فضلا عن ان «فرض حالة الطوارئ فى أوكرانيا، بما ينطوى عليه ذلك من تقييد جزئى لحقوق وحريات المواطنين، يترك الباب مفتوحا أمام كييف لإلغاء الانتخابات الرئاسية تحت ذريعة حماية البلاد». وقد جاء ذلك كله فى توقيت يسبق انعقاد قمة العشرين، بما يعنى حقيقة ما يستهدفه النظام الاوكرانى من محاولات التركيز على الازمة الاوكرانية. وتشير الأنباء الواردة من واشنطن إلى أن بوروشينكو كان قريبا من نجاح مبتغاه، حيث أعلن الرئيس الامريكى ترامب فى تصريحات نشرتها «واشنطن بوست»عن عدم ارتياحه لما وصفه بعدوان روسيا ضد أوكرانيا، مشيرا إلى انه طلب من مستشاريه للأمن القومى تقريرا حول الموقف الراهن. وهو ما اعقبه بتغريدة على تويتر يقول فيها بالغاء اللقاء مع بوتين لأسباب أرجعها الى احتدام الأزمة. على ان ما كشفت عنه صحيفة «ازفيستيا» خلال الايام القليلة الماضية حول مفاوضات تجريها أوكرانيا مع الولاياتالمتحدة بشان إقامة قاعدة عسكرية على مقربة مباشرة من الحدود الروسية، يمكن ان يضفى على الموقف الراهن الكثير من الإثارة والتوتر، لما يحمل فى طياته من مؤشرات تقول بما يمكن أن يكون تجاوزا لما وصفه الرئيس بوتين بالخطوط الحمراء التى لن تقبل موسكو بتجاوزها.