إن عمر العلاقات المصرية الإماراتية يماثل فى متانته قوة النسيج المغزول فى تضافر اشتدت جدائله بين أحداث الماضى ووقائع الحياة وبين مواقف الرجال فى الشدائد، وتوثقت ثناياه بأشخاص تمكنوا من هزيمة كل المكائد التى كانت تحاك فى الخفاء للتفريق بينهم، فمنحونا أنبل الأمثلة فى إعلاء القيم الإنسانية وبذل الخير دونما انتظار المقابل، ليجنوا ثمارهم المثمرة حتى وإن غابت أجسادهم عن دنيانا، باقين بما صنعته أيدهم وما بذلته نفوسهم من عطاء وما غرسوه من بذور المحبة. هكذا كان .. وهكذا ظل »حكيم العرب« الشيخ زايد بن آل نهيان رحمه الله، ليتجمع العرب على حبه وإخلاصه وأشجار عطائه، وخاصةً الحب الذى أولاه لبلده الثانى مصر لتنطلق مؤخراً من أرض الكنانة احتفالات مشتركة بين مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة بمناسبة مئوية الشيخ زايد، وقد نظمت مؤسسة الأهرام هذا الاحتفال بقلب مصر على مدار يومين، فى استعادة لأدوارها المعهودة منذ سابق خطاها الواثبة والواثقة من أجل استنارة العقول والنفوس وحرصها عبر تاريخها الصحفى والإعلامى صاحب ال 143 عاماً من إتاحة الفرص وفتح الأبواب أمام كل شرائح المجتمع على اختلافه لينهل من المعارف ويستزيد من كافة ألوان الفكر والثقافة والآداب والشعر والفنون، ليقدم الأهرام ضمن فعاليات الاحتفال بمئوية الشيخ زايد العديد من الرؤى وأدوات ثرية بالتعبير عن مضمون وأهمية الحدث الكبير، وكان جزءًاً هاماً من الحفل هو إصدار مجلد استثنائى قدم خلال اليوم الأخير من الاحتفالية، ليزيح الستار عن جهود بذلت من فريق عمل متكامل من أبناء الأهرام ومنهم :أشرف العشرى إشراف عام، والمادة العلمية كانت لفريق عمل وهم: د.خلف عبدالعظيم الميري، د.إيمان عامر، د.محمد أبو الفضل ، د.يحيى محمود و هدى مرسي، كما قام بالمراجعة والديسك الصحفى محمد دسوقي، وأ. هشام لطفى المشرف العام على قطاع الإعلانات وأ. هشام صقر مدير عام الإعلانات التجارية والإصدارات والمبوبة وخالد الناقة مدير القسم الفنى بالأهرام، حسين الشحات المخرج الفنى للكتاب، و سامح سمير بتصميم الغلاف والفواصل، وأحمد المليجى بجمع نصوص المقالات، بالإضافة للعديد من المصادر والمراجع، واستهل المجلد التذكارى بمقدمة ا. عبدالمحسن سلامة رئيس مجلس إدارة الأهرام، وبدأ حديثه تحت عنوان «زايد فى قلوب المصريين» وهو عنوان الاحتفالية: ليواصل عن القيمة التى خلفها الشيخ زايد للأجيال الحاضرة واللاحقة وعن أدواره التأسيسية لدولة الإمارات الشقيقة ودعمه للكثير من مشروعات البنية التحتية والتكميلية بالعديد من البلدان العربية ومصر التى اختصها بالاهتمام والمودة، كما عرض لأهم مواقفه الدبلوماسية والسياسية، بالإضافة لاعتباره المثل المستحق أن يحتذى به فى مجال العلاقات العربية ، ثم توالت أقلام الكتاب المشاركين فى سرد وقراءة وتحليل وتأريخ للقيم والمواقف الحياتيه للشيخ زايد من روابطه الوثيقة بعروبته وكفاحه من أجل استعادة المجد والوحدة العربية ليبيت هذا حلمه الأجدر فى مشواره، ليرفع الأسس من خلال هذا الفكر المتنور والسباق، استطرد الكتاب فى علاقاته مع الرؤساء العرب والمصريين ، فكان أولهم الزعيم جمال عبدالناصر لتتشكل كل الأحلام القومية والروح الاستقلالية مع بدء ثورة يوليو فى عام 1952 بمصر، وتعلو الدوافع الباحثة عن الحرية والمساواة ليصل نبضها إلى دول المحيط العربي، فأثمر عن قيام إتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة مع ستينيات القرن الماضى بمؤسسها الأول الشيخ زايد آل نهيان، ثم توالت العلاقات المتبادلة مع بطل الحرب والسلام محمد أنور السادات لتتجلى مواقف الشيخ زايد مع حرب أكتوبر 1973 بمصر ، ليعلن من بلده الإمارات قطع البترول عن الدول المعادية لمصر، ويستخدمه كسلاح ووسيلة ضغط لصالح مصر ولصالح العروبة، فاشتد ظهور المصريين على جبهة سيناء فى الحرب، ولم تقف شهامة البادية العربية للشيخ بل توالت مع رفضه مقاطعة مصر مثل باقى الدول العربية مع توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد للسلام ليطلق مقولته الشهيرة « لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود بدون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأى حال أن تستغنى عن الأمة العربية«، ثم جاءت علاقاته الدبلوماسية مع محمد حسنى مبارك مع مطلع الثمانينيات، ليبدأ عصر من الإنجازات والمزيد من الأحداث التى جمعت كل الجهود والروابط العربية وكانتا مصر والإمارات فى مقدمة الصف الأول دائماً، ومن بينها: تحرير الكويت من الغزو العراقي، دعم القضية الفلسطينية مع الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات، كما كان الشاغل الأكبر لزايد هو بناء الإنسان وتوفير كافة الأسس الحياتية للحصول على معيشة كريمة، واضعاً حجر الأساس لإنشاء العديد من المدن السكنية والصناعية والزراعية بمختلف أرجاء الوطن العربى ولعل أشهرها مدنية الشيخ زايد الكبرى بمصر، كما أعطى رعايته للمرأة الإماراتية وفتح أمامها مجالات العلم وأسواق العمل، كما أولى اهتماماته بالنشئ والأطفال وخصوصاً من ذوى الاحتياجات الخاصة. وقد استطرد الكتاب فى عرضه عن اهتمام الشيخ بالنقلة النوعية لطبيعة الحياة البدوية، فأسس أحدث وأرقى فنون العمارة والمنشآت الحديثة، وقام بتحويل المساحة الصحراوية الشاسعة إلى بيئة خضراء تتيح الزراعة والإنتاج وحولها المصانع الإنتاجية والخدمية، ولم يغفل فى دوائر اهتمامه رعاية الصناعات والحرف القديمة مثل صناعة الفخار، الجلود وشباك الصيد وفتح السواحل للتبادل التجارى والتصدير، فرغم رحيل حكيم العرب منذ عام 2004م، إلا أنه كان يمتلك الرؤية الثاقبة مثل «ايقونة الإمارات» «الصقر» ليستشرف ببصيرته وروحه الساعية لصون الكرامة والدفاع عن الحقوق بهدف بناء تشييد كافة الحضارات الإنسانية والاجتماعية وفتح العديد من مظلات الأمان الاقتصادى و التعليمى والصحى لبنى دياره بالإمارات ولمصر التى وجد فى نهضتها نهضة تشمل العرب كافه، وكانت آخر كلماته وصية لشعبه فقال: «أوصى أبنائى أن يكونوا دائماً إلى جانب مصر فهذا هو الطريق لتحقيق العزة والعروبة»