تكتسب زيارة الرئيس الدكتور محمد مرسي إلي الصين الشعبية هذه الأيام أهميتها من أكثر من جانب , كما أنها تحمل أكثر من دلالة ومغزي, وبالطبع هناك الكثير الذي قيل أو الذي يمكن أن يقال عن البعد الثنائي لهذه الزيارة فيما يتعلق بتعزيز وتوسيع وتعميق العلاقات المصرية الصينية في مختلف المجالات السياسية والإستراتيجية والاقتصادية والثقافية, خاصة في ضوء حقيقة أن مصر كانت أول دولة عربية وإفريقية تعترف بالصين الشعبية عام1956 وأن الصين كانت إحدي دولتين فقط أمدتا مصر بالسلاح في فترات حرجة من سبعينيات القرن الماضي شهدت سعي مصر لتحرير أراضيها المحتلة من جانب إسرائيل. ولكن ما سأعرض له هنا يقتصر علي تناول رؤية شاملة في النظر إلي هذه الزيارة ودلالاتها والأمل في البناء عليها في المستقبل علي مستوي أعم, وأقصد هنا طرح الاتجاه شرقا في إطاره الأوسع من جانب مصر, بمعني الاهتمام الجدي والمتواصل والقائم علي ركائز مؤسسية وخطة طويلة المدي ومنهج هادئ ولكنه دءوب في الوقت ذاته لا يتغير بتغير الأشخاص, بالانفتاح علي دول شرق وجنوب شرق وجنوب آسيا في مختلف المجالات بما يلبي المصالح الوطنية المصرية من جهة ويساعد علي اكتساب منظومات من القيم الاجتماعية ذات الفائدة الكبيرة لمجتمعنا واقتصادنا, وهي بالمناسبة من المفترض أنها قيم موجودة أصلا في تراثنا الديني والثقافي ولكنها تراجعت بكل أسف في الواقع العملي منذ عقود, مثل قيم إتقان العمل والجدية والعمل الجماعي واحترام الكبير والعطف علي الصغير والالتزام واحترام عنصر الوقت وحسن التنظيم والتخطيط المسبق وغيرها من قيم هامة وذات فائدة عملية من جهة أخري. وعلي الجانب الآخر, ومن واقع تجربة العمل والحياة في اليابان لسنوات عديدة, أمكن للمرء أن يتعرف عن قرب علي مدي ما تكنه شعوب هذه المنطقة من تقدير وإعجاب شديدين بمصر وعطاء شعبها الحضاري منذ فجر التاريخ, بل يؤمن اليابانيون مثلا بأن فجر الحضارة الإنسانية بدأ من مصر وعلي يد شعبها ويعتبرون أن حضارتهم متواضعة إذا ما قورنت بالحضارة المصرية القديمة. ويصدق الأمر ذاته أيضا بالمناسبة علي شعوب دول جنوب شرق آسيا, وأفترض انطباقه علي حالة دول جنوب آسيا, وتنبع هذه المكانة الرفيعة لمصر لدي هذه الشعوب من أكثر من اعتبار, منها كون بعض هذه الشعوب هي صاحبة حضارات قديمة مما يجعل هناك خلفية مشتركة من العطاء الحضاري مع الشعب المصري, كحالات الصين واليابان والهند مثلا, كما أن هناك الدور المحوري لمصر في مسيرة الحضارة الإسلامية علي مر التاريخ, وهو ما يبرز في حالات دول مثل اندونيسيا وماليزيا وباكستان وبنجلاديش, ولكن هناك أيضا تقدير لدور مصر في دعم حركات التحرر الوطني في بعض هذه الدول ولمحاولتها القيام بنهضة وطنية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي مثل حالات فيتنام وكمبوديا وسنغافورة. إذن, فهناك أرضية حضارية وتاريخية وثقافية مشتركة ومساحة من الإعجاب المتبادل بين الشعب المصري وشعوب هذه الدول تسمح بالبناء عليها, وهو ما يضاف إليه عوامل أخري يتعين أخذها في الاعتبار, ومنها حقيقة أن أيا من هذه الدول الآسيوية ليس لها تاريخ استعماري لا في مصر بطبيعة الحال ولا حتي علي امتداد الوطن العربي بأسره, أي أن سجلها نظيف فيما يتعلق بسابق التجربة التاريخية مع مصر والمنطقة, أما العامل الثاني فيتعلق بالتشابه في الكثير من القيم والعادات والتقاليد الفردية والأسرية والاجتماعية بين مصر وهذه الدول بما يجمعها جميعا في سلة واحدة يمكن أن نطلق عليها تعبير الشعوب والأمم الشرقية, وهو الأمر الذي تتزايد أهميته إذا ما نظرنا إلي الدور القيادي لمصر في تأسيس حركة الشعوب الإفريقية والآسيوية التي نتجت عن مؤتمر باندونج في إندونيسيا عام1955, حيث تنتشر بتلك الدول في شرق وجنوب شرق وجنوب آسيا حتي الآن الكثير من اللجان الشعبية أو الرسمية والتي تأسست منذ مؤتمر باندونج وهي معنية بتدعيم أواصر الصداقة بين القارتين, وتعتبر هذه اللجان مصر الدولة الرائدة في إفريقيا في هذا المجال, خاصة في ضوء امتداد مصر الجغرافي في آسيا, وهو رصيد يمكن البناء عليه من جانب مصر اليوم وفي المستقبل. وأرجو أن يكون واضحا أن ما تقدم لا يعني بأي حال من الأحوال الاستعاضة بالاتجاه شرقا عن علاقات مصر بأجزاء أخري من العالم, بل المطروح هو من جهة تعظيم المردود والفائدة التي تنال مصر من مد جسور التفاهم والتعاون مع دول آسيا بما يحقق مصالحنا ويتفق مع مبادئنا وأهدافنا, ومن جهة أخري تحقيق التوازن المطلوب في سياسة مصر الخارجية, وهو أمر تجمع عليه كل أطياف المشهد السياسي المصري, بغرض ضمان عدم الانجراف مجددا إلي مواقف تجعل مصر تضع كل أوراقها في سلة واحدة أو تراهن فقط علي طرف بعينه أو تجد نفسها جزءا من محور في مواجهة محاور أخري دون أن يكون في ذلك ما يتفق مع مبادئها أو أهدافها أو مصالحها. المزيد من مقالات د.وليد محمود عبد الناصر