كانت احتفالات المصريين بمولد الرسول، صلى الله عليه وسلم، هذا العام مهيبة، جليلة، وواقعية، وتتسلل إلى القلوب، وتؤكد أن هناك رغبة حقيقية فى تغيير مجتمعى جديد وجاد، يتمثل بالأخلاق التى ظهرت مع مولده الكريم، ومنذ رسالته العظيمة، والقيم السامية التى أرساها. فهناك رغبة جادة أن نكون أمة الأخلاق، والقيم، ومكارم الأفعال، وليس الأقوال، وأقوال الناس أصبحت ترفض بوضوح التطرف، والإرهاب، والغلو فى الدين، وهذا لم يكن موجودا من قبل. المصريون الآن يسعون إلى بناء مجتمع آمن ومستقر، ويشيدون الحضارة، ويتحلون بالصبر مع الأزمات، ومن لا يستطيع أن يدرك ذلك، فعليه أن ينزل للشارع، ويرى الناس كيف ينظرون الآن للمتعصبين، ومثيرى الشغب والاضطرابات، وهم موجودون، ويتحركون بقوة الأموال، فقوى الشر لم تتوقف، ولم تيأس بعد!! ولكن لا تأثير لهم، فلا أحد يستمع إليهم، فالعامة يرفضونهم، خاصة الفقراء والبسطاء منهم، وبالرغم من انتشار صناع الفتنة، وانتشار محطاتهم فى ربوع المجتمع، وتحركهم ليل نهار، فإنه لا تأثير لهم بين الناس، ولن يكون، وقد يظهر بعض التأثير بين من يتصورون أنهم يحللون، ويفهمون، ولكنهم يجدون البسطاء يفندون ما يقولون، رغم قسوة الحياة، وارتفاع الأسعار. وحتى الجماعات التى كانت تنشر الأقوال المحافظة أو السلفية، على أنها الدين، بدأ يظهر رأى عام جديد يقول لها بوضح، إن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كلها نور، وصلة بالله، وتعلق بالله، وعندما تكلم شيخ الازهر فى الاحتفال أكد سنة محمد صلى الله عليه وسلم، تساءل الناس بينهم وبين أنفسهم، ماذا يقصد؟ وهل هناك أحد أنكر أو ينكر أهمية السنة للدين الاسلامي؟. ولكن أليس من العقل والحكمة أن نفكر فى تنقية ما نقول، ونتحقق منه، وعن ارتباطه بالقرآن الكريم، وهل التفكير فى السنة بعقلية العصر، وإعطاء المجددين، ورجال الدين المستنيرين منهم، فرصة التفكير والتجديد، يتناقض مع ما يقوله شيخ الأزهر المحترم؟ وهل إذا كان الأزهر، الجامع والجامعة الأقدم فى العالم الإسلامي، قد اهتم بالخطاب الديني، والفقه، وبالتجديد المستمر والسليم، فهل كنا سنجد دعاة ظلاميين فى المنطقة، بل وفى العالم؟. كان أجدى أن نقوم بتصحيح المفاهيم الخاطئة التى أطلقها وأشاعها ونشرها المتطرفون، والجماعات الإرهابية التى تسلطت على الدين، ومنعت انتشاره بقيمه وأخلاقه الرفيعة، فنحن مازلنا فى حاجة إلى تعليم جديد،وروح جديدة، تبعث من الأزهر، والمؤسسات الدينية، تعطينا فكرا وروحا جديدين، لربط المسلم بعالمه ،وحياته الجديدة. كيف لا يلعب الأزهر دورا فى الحد من التكاثر السكانى بلا تعليم، أو تربية صحيحة، أو إمكانات حقيقية؟ كيف يتحول المسلم إلى كيف لا إلى كمّ؟ أعتقد أن حالة الشارع المصرى تسوده الآن روح القيم الإسلامية، والرغبة فى التجديد، والحياة الصريحة النقية مع الله، ستفرض على الأزهر، وعلى الأوقاف والجوامع المصرية أن تسير مع رغبة الناس، وبحثهم عن القيم الحقيقية للإسلام، والتحلى بها، وليس التشدق بها، بأن نكون متدينين بدين صحيح فى حياتنا، وفى أعمالنا، وليس شكليا وسطحيا. وإدراكا لقوة الازهر ومكانته، نعرف أنه يستطيع أن يدحض ما يقال عن تخلف العالم السنى عن العالم الشيعى فى التجديد، ويجب أن تكون هناك رغبة حقيقية فى الإصلاح الديني، وإيجاد خطاب يتناسب مع العصر، ومتطلباته. إن الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعا لسنا منهم فى شيء، ولكننا نحتاج من الأزهر أن يبرز قدرة المؤسسات الدينية السنية فى عالمنا، بأنها قادرة على مساعدة الحكومات العربية فى بناء دولة صحيحة، وقوية، خاصة فى مجال تنظيم الأسرة، وصحة السكان. فنحن فى حاجة إلى تحرك رجال الدين، والعلماء لحث العالم الإسلامى فى مختلف الأعمار لطلب العلم والتطور والبحث العلمى فى كل المجالات. ونحن فى حاجة إلى رجال الدين والأزهر ليساعدا المجتمع فى بناء الأسرة الصالحة التى يسودها الحب والسكينة، وتكون قادرة على تنشئة الأبناء. ونحن فى حاجة للمؤسسة الدينية والأزهر لتعليم الناس أن حب الدين والاسلام يكون بالسلوك والإيمان وليس بالتعصب وكراهية الأديان الاخري. فعندما تكون متحليا بالقيم والأخلاق تكون مسلما حقيقيا، خاصة فى المعاملات والعمل.. ويجب أن تلعب الدعوة الدينية والأخلاقية دورا فى فصل التفكير الدينى عن السياسي، ودحض أقوال الجماعات التى لعبت هذا الدور الخطير، وقد أعاقت المجتمع عن التطور الديمقراطي، لأنهم ربطوا الدين بالسياسة، رغم أن الوطن مربوط بالمواطنة، والدين لله، والوطن للجميع. لماذا لم تتكرس هذه الدعوة النبيلة، وقيمها فى نفوس الناس منذ سنوات طويلة؟. الكثير من رجال الدين نافقوا الجماعات الارهابية بكل أشكالها، جاءت إليهم الفرصة الآن للتبرؤ منها، ودفع البلاد والعباد إلى صحيح القيم والأخلاق، وبناء المجتمعات بعيدا عن الإرهاب. إذا كنا نطالب بإصلاح شامل لكل منظمات الحياة، فإن دعوتنا لفك الارتباط الذى خلفته جماعة الإخوان المسلمين بين الدين والسياسة، أو بين الدين والخلافة المزعومة، فإنها أصبحت ضرورة الآن. كيف ننجو، ونصلح أحوال الناس، ونربطهم بعالمهم، ونتخلص من كل دعاوى أصحاب الفتن، ومروجى الدعايات الخبيثة التى ربطت الإسلام بها، وشوهته بعملياته الإجرامية والإرهابية فى عالمنا المعاصر؟. جاءت الفرصة للشعوب العربية والإسلامية بعد تخلصها من هذا النفاق المخيف، وبعد أن تخلصت من الجماعات التى كانت ومازالت تكره الإسلام، وتستخدمه مطية لأغراض خبيثة، ومصالح آنية، فى حين أن الإسلام دعوة نبيلة لإصلاح أحوال الناس وأعمالهم فى كل المجالات، لتحقيق العدل والمساواة، وترسيخ أسس الحرية، والمواطنة، والعدالة الاجتماعية، ونشر العلم والتعليم، وأساليب المدنية المتاحة، واستقرار المجتمعات الإنسانية، والحفاظ عليها من الهزات الاجتماعية العنيفة، والطفرات السياسية العاصفة.. لمزيد من مقالات أسامة سرايا