تعتبر قضية الخطاب الدينى من القضايا المهمة التى شغلت أذهان المفكرين ورجال الدين فى عالمنا المعاصر، كما شغلت العقل الإسلامي والمثقف بشكل عام. حول هذا الموضوع صدر كتاب «منهج تجديد الخطاب الدينى» للمفكر والباحث الإسلامي، د. جمال رجب أستاذ الفلسفة الإسلامية جامعة قناة السويس. يعرض فيه المقصود بتجديد الخطاب الدينى، مشيرا إلى أنه لابد أن نفرق بين الثوابت والمتغيرات. ففى مجال القطعيات مثل وجوب الصلوات الخمس والزكاة وما اتفقت عليه الأمة، فلا مجال لتجديد الخطاب الديني فيه. فكثير من المشتغلين بالدعوة الإسلامية يقلقون قلقا بالغا إثر سماعهم مصطلح تجديد الخطاب الدينى، خشية تحويل القطعيات إلى متغيرات أو الاجتراء على ثوابت الدين. فليس المقصود بطبيعة الحال كما يقول الكاتب التجديد فى الدين، فالدين لا يجدد، فالزمن هو الذى يساير الدين وليس العكس كما يزعم الواهمون وإنما التجديد هو فهم الإسلام وقضاياه فى ضوء مستجدات العصر وتحدياته. والدين الإسلامى له من الثبات والمرونة أيضا، ما يعطى للعقل المسلم الانطلاق والتجديد فى كل القضايا والمفاهيم التى تواجهه. ونذهب مع الكاتب فى قوله إن الدين هو الدين، ولا نريد الدين (المودرن) علي مقاس من يريدونه هكذا!، فهذا ليس دأبنا في هذا الطرح، إنما نريد تطوير الآليات ومفاهيم النظر إلى القضايا الإسلامية المختلفة في ظل الواقع الذى نعيش فيه. وفى شأن العقل والدعوة الإسلامية فى حياتنا المعاصرة، نرى أن العقل قد لعب دورا مهما فى نشأة المذاهب الكلامية فى العصور القديمة، ومن هنا تتبدى أهمية العقل فى الدعوة الإسلامية فى واقعنا المعاصر، فلا ينبغى أن نخلط بين الثابت والمتغير أو بين المندوب والواجب، فينبغي على الخطاب الدعوى أن يوازن بين مطالب الدنيا والآخرة. وكما يشير الشيخ محمد الغزالى إلى ضرورة التجديد فى الفقه الإسلامى فى ضوء العقل بقوله: «إن التفتح العقلى ضرورة ملحة لكل من يتحدث فى الفقه الإسلامى». ثم إن الدين فى باب المعاملات مصلح لا منشئ كما يقول ابن القيم، إنه لم يخترع البيع أو الزواج، وإنما جاء إلى هذه العقول فضبطها بتعاليمه. وفي شتى المعاملات إذا تحققت المصلحة فثم شرع الله، فما الذى يمنعنا نحن الذين أغلقنا باب الاجتهاد ألف عام أن ننظر فى الوسائل التى اتخذها غيرنا لمنع الفساد السياسى أو منع الاعوجاج الاقتصادى، ونقتبس منها، ما لا يصادم نصا ولا يخرج عن قاعدة. ويضيف الكاتب أنه لا شك فى أن الاجتهاد الفقهى بأوسع معانيه من أهم أولويات العقل الإسلامى فى واقعنا المعاصر، ونأمل أن يسود العقل كل مجال من مجالات حياتنا سواء الدينية أو الدنيوية، فالعقل ضرورة حضارية للنهوض بالأمة من كبوتها من شتى جوانبها المعرفية، كما أنه ضرورة للتجديد فى فكرنا الاسلامى وخصوصا فى باب الاجتهاد فى أمور الدين. ويؤكد الكاتب أهمية حاجتنا فى حياتنا المعاصرة للتسلح بسلاح العقل، فالعقل كما يقول «ديكارت» هو أعدل الأشياء قسمة بين البشر. إن الاجتهاد قد استمر بعد انتقال النبى (صلى الله عليه وسلم) إلى الرفيق الأعلى فى مدرسة الصحابة وخاصة الخلفاء الراشدين. لقد ترك الأقدمون تراثا علميا وحضاريا فذا، ومن ثم ينبغى علينا أن نقرأ النص فى ضوء تحديات ومستجدات العصر، لا أن نعيش بفكر القرون الماضية، وليس معنى ذلك رفض التراث جملة وتفصيلا، وإنما نأخذ من تراثنا الحضاري ما يلائم معطيات العصر وتحدياته بطريقة متوازنة تجمع بين الأصيل والمعاصر. ويشير الكاتب إلى ضرورة البعد عن الغلو والتطرف الذي هو من أخطر المشكلات التى تواجه تجديد الخطاب الدينى مثل مشكلة التكفير عند الفقهاء المعاصرين. ومن الأخطاء الكبرى أن يتخلى الخطاب الدينى عن العصر ومشكلاته وهمومه، فمشكلات الإنسان تؤرق الضمير الإسلامى فى كل زمان ومكان، ومن ثم فإن مشكلات كبرى تشغل الإنسان الآن ولن تحل بمعزل عن الضمير العالمى، ومن هنا تأتى أهمية تجديد الخطاب الدينى وتفعيله فى حياتنا المعاصرة مثل مشكلات البيئة على المستوى العالمى ومشكلات حقوق الإنسان، فالخطاب الدينى العاقل المتزن يمكن أن يسهم مساهمة فعالة فى حل مثل هذه المشكلات التى تؤرق الضمير الانسانى.