فى العيد الخمسين بعد المائة لميلاد أمير الشعراء أحمد شوقي، ما هو الجديد الذى نستطيع أن نقوله بهذه المناسبة التى لا تكمل دورتها إلا كل مائة عام؟. أظن أن أول ما يجب أن نقوله فيه هو إن شوقى بعد مرور قرن ونصف قرن على ميلاده وست وثمانين سنة على رحيله حاضر فى حياتنا حضورا لم يحظ به الكثيرون من الشعراء والكتاب والفنانين. وهو مع ذلك أقل بكثير مما يستحق ومما يمكن أن يتحقق، لأنه حضور من جانب واحد هو جانبه وليست لنا يد فيه. وربما بدا كأننا فى غنى عنه وأننا نمنعه من أن يكون حاضرا فى حياتنا بكل كيانه. هو من جانبه قدم لنا كل ما يمكن أن يمتعنا ويغنى وجودنا ويملؤه بهجة واعتزازا من شعره ونثره. قصائد ومسرحيات وقصص وروايات. تراث من الإبداعات المتنوعة التى لا تتوافر كيفا وكما فى كل جيل. ونحن نهمل هذا كله ولا نلتفت إليه إلا التفاتات عابرة. ومع هذا يظل شوقى حاضرا. ننظر إليه من بعيد. وقد نتكلم عنه من بعيد أيضا، لأننا نكرر فى الغالب ما كانت الأجيال السابقة تقوله عنه دون إضافة. والذين كانوا يتحفوننا بين الموسم والموسم بقصيدة من قصائده يلحنونها ويغنونها من أمثال أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي، وبفضلهم تعرف الملايين من المصريين وغير المصريين على شوقى وشعره رحلوا كما رحل ولم يحل محلهم أحد. ومن يستطيع اليوم أن يلحن ويغنى الهزيمة أو نهج البردة أو ذكرى المولد «سلوا قلبي» كما لحنها السنباطى وغنتها أم كلثوم؟ ومن يستطيع أن يلحن ما لحنه عبد الوهاب من «مجنون ليلي» ويغنيه كما غناه هو وأسمهان؟. والسؤال موجه أولا للمشتغلين بالدراسات الأدبية والنقد والنشر ألم يكن عيده الخمسون بعد المائة فرصة للنظ من جديد فى أعمال شوقى الشعرية والنثرية ومراجعتها ومراجعة ما سبق أن قيل فيها وتزويدها بما تحتاج إليه من إيضاحات وتصويب ما وقع فيها من أخطاء ونشر ما لم ينشر من قبل؟ ونحن نعرف أن المشتغلين بالثقافة والكبار منهم خاصة يراجعون أنفسهم كما يراجعون غيرهم وقد ينتقلون من موقف إلى ضده أو إلى ما بينهما كما فعل العقاد مع شوقى وكما فعل طه حسين أيضا معه. العقاد فى كتاب «الديوان» الذى أصدره هو والمازنى فى أول العشرينيات من القرن الماضى يذم شوقى بعنف شديد ويذم من يعجب به ويتحمس له فيقول إن شهرة شوقى مشتراة، وقصائده كلام شحاذين، والذين يمدحونه مأجورون. ثم يعود فى خمسينيات القرن فيقول فى مهرجان شوقى الذى نظمه المجلس الأعلى للفنون احتفالا به: كان أحمد شوقى علما فى جيله. كان علما للمدرسة التى انتقلت بالشعر من دور الجمود والمحاكاة الآلية إلى دور التصرف والابتكار فاجتمعت له جملة المزايا والخصائص التى تفرقت فى شعراء عصره. ولم توجد مزية ولا خاصة قط فى شاعر من شعراء ذلك العصر إلا كان لها نظير فى شعر شوقى من بواكيره إلى خواتيمه». والذى فعله العقاد فعله أو قريب منه طه حسين. وهو فى هذا يقول: «وأنا أريد أن أعترف أيضا بأنى كنت أؤثر حافظا على شوقى فى حياتهما، وكنت أختص شاعر النيل من المودة والحب. بما لم أختص به أمير الشعراء. لأن روح حافظ وافق روحي، ولأن كثيرا من أخلاق حافظ وافق أخلاقي. ولكنى على ذلك أريد، وأستعين بالله على ما أريد، أريد أن أنسى الآن حبى لحافظ وإيثارى إياه بالمودة الصادقة والحب الخالص وأن أجعل الرجلين سواء أمام النقد الأدبى الذى أريد أن أعرض له فى هذا الفصل». ونحن نعرف أن «الشوقيات» وهى ديوان شوقى لم تكن تضم كل ما قاله فى طبعاتها السابقة، وأن ما كان مجهولا من شعره أو جانبا منه وجد الطريق إلى الديوان فى الطبعة الأخيرة التى أشرف على تقديمها محمد عبد المطلب وصدرت عن المجلس الأعلى للثقافة قبل إحدى عشرة سنة بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لرحيل شوقى وحافظ، فهل نحن مطمئنون اليوم إلى أن شعر شوقى كله أصبح منشورا معروفا؟. والسؤال مطروح، لأن إحدى مسرحيات شوقى وهى «البخيلة» ظلت مجهولة غير منشورة أكثر من سبعين سنة بعد رحيله حتى قدمها عز الدين إسماعيل وصدرت مع غيرها من مسرحيات شوقى ضمن أعماله الكاملة التى أصدرها المجلس الأعلى للثقافة بالمناسبة التى ذكرتها فى السطور السابقة. ونحن نعرف أن شوقى الذى كان متمكنا من الفرنسية ترجم منها قصيدة لامرتين «البحيرة»، فأين نجد هذه الترجمة؟ وهل تكون هذه القصيدة هى النص الفرنسى الوحيد الذى ترجمه شوقى إلى العربية؟. والذى قلناه عن عدم الاهتمام بشوقى فى النقد والنشر نقوله عن عدم الاهتمام به فى المسرح الذى كان رائدا من رواد الكتابة فيه. ثمانى مسرحيات، سبع شعرية وواحدة نثرية. ومنها ما يدور حول أحداث تاريخية، ومنها ما يدور حول موضوعات راهنة. وهى تصلح للعرض المسرحي، وتصلح طبعا للقراءة، وتصلح للتلحين والغناء. أين نحن من هذه المسرحيات؟. وهل يصح أن تمر هذه الذكرى دون أن يهتم بها المشتغلون بالتعليم فى مصر؟ نحن لم نسمع عن يوم مخصص أو حتى حصة يتحدث فيها المعلمون المصريون لتلاميذهم عن شاعر من أكبر الشعراء الذين نظموا باللغة العربية. وأنا لا أتحدث فى هذه المقالة عن شوقى طالبا له شيئا. أنا أتحدث عن مطالبنا نحن التى تجاوزنا التفريط فى تحصيل ما لم نحصله منها إلى التفريط فى المحافظة على ما حصلناه من قبل وأصبح منذ مئات السنين فى أيدينا وخزائننا. ونحن نفرط فى الكثير إذا فرطنا فى شعر شوقي. فشعر شوقى عمود من أعمدة اللغة، واللغة عمود من أعمدة كياننا القومى. لمزيد من مقالات ◀ بقلم - أحمد عبدالمعطى حجازى