ابتلى الله، تعالت قدرتُه، رسولَه، صلى الله عليه وسلم؛ بوفاة عمه حمزةَ بن عبد المطلب، وابن عمه جعفرَ بن أبي طالب، قبل وفاته هو نفسه، فبكاهما مسترجعًا: "لمثلهما فلتبك البواكي". حمزةَ خير أعمام النبي، وأخوه من الرضاعة ، وقد لقَبه الرسول ب"أسد الله، وأسد رسوله، وسيد الشهداء". أسلم في السنة الثانية من البعثة النبوية، وعقد له الرسول أول لواء في الإسلام، وشهد بدرًا، وقتل عددًا من صناديد المشركين فيها. ثم شهد "أحد" سنة 3 هجرية، وقُتل فيها، عن سبع وخمسين سنة. كان الذي قتله "وحشيُّ بن حربٍ الحبشي"، غلامُ جبير بن مطعم، وقد مثَّل به المشركون، وشقوا بطنه؛ لفرط غيظهم منه، مما نكل بهم، أما ما ورد من استخراج هند بنت عتبة - التي أسلمت يوم فتح مكة، بعد إسلام زوجها أي سفيان - لكبده، وعدم استساغتها إياها، فليس صحيحًا. بعد انتهاء القتال في "أُحد"، خرج النبي يلتمس حمزةَ، فوجده قد مُثِّل به، فتأثر لذلك، وبكى. أخرج أحمد بن حنبل، عن ابن عمر، قال: "رجع رسول اللّه، من أُحُد، فجعلت نساء الأنصار يبكين على مَن قُتل من أزواجهنّ، فقال الرسول: "لكن حمزةَ لا بواكي له". قال الواقدي: "فلم تبك امرأة من الأنصار على ميّت بعد قول رسول الله إلا بدأت بالبكاء على حمزة". أحزان الرسول، لم تقف عند مقتل حمزةَ، إذ لوحظ حزنه الشديد، أيضًا، لوفاة ابن عمه، جعفر بن أبي طالب، المُكنى بأبي المساكين، وجعفر الطيار، وذي الجناحَين. جاء موت جعفر بعد مقتل حمزة بنحو خمس سنوات، في غزوة مؤتة. وكان قد أسلم ثم هاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، يوم فتح خيبر، في السنة السابعة، فأقام بها أشهرًا، ثم أَمَّرَهُ رسول الله، على الجيش بغزوة أو سرية مؤتة (جنوبالأردن) في السنة التالية (الثامنة)، وأسند إليه قيادة الجيش، بعد زيد بن حارثة. قُتل زيد (عن 55 عامًا)، فلم يرهب جعفرُ كثرة الروم، بل اقتحم عن فرس له شقراء، عقرها ثم قاتل، آخذًا اللواء بيمينه، فقُطعت، فأخذه بشماله فقُطعت، فاحتضنه بعضُديه، فضربه رجل من الروم، فقتله. روى البخاريُّ عن ابن عمر أنه "وقف على جعفر يومئذ، وقد قُتل. "فعددت به خمسينَ، بين طعنةٍ وضربةٍ، ليس منها شيءٌ في دُبُره" (أي: ظهره). حزن الرسول لوفاة جعفر حُزنًا بليغًا. وقالت عائشةُ: "لما جاءت وفاة جعفر؛ عرفنا في وجه النبي الحزن". وذكرت روايات أن فاطمة دخلت، وهي تبكي، وتقول: "واعمّاه"، فبكى الرسول، وقال: "عَلَى مثل جَعْفَرَ فلتبكْ البواكي". صدق رسول الله: "عَلَى مثل جَعْفَرَ"، (ومن قبله حمزةَ)، فلتبكْ البواكي".. فهؤلاء الصحابة الأفذاذ، بالفعل، هم الأحق ببكائنا، جرَّاء فقدهم. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد