كان النبي- صلي الله عليه وسلم- مرهف الحس فياض العاطفة رقيق الشعور عظيم الرحمة وقد حفظت لنا كتب السير والسنن مواقف مختلفة مرت به- صلي الله عليه وسلم- فاهتزت لها مشاعره وتأثر بها وجدانه فيحزن قلبه وتدمع عيناه ويبكي. 11- قال ابن إسحاق: ومر رسول الله- صلي الله عليه وسلم- بدار من دور الأنصار من بني عبد الأشهل وظفر فسمع البكاء والنوائح علي قتلاهم, فذرفت عينا رسول الله- صلي الله عليه وسلم- فبكي ثم قال: لكن حمزة لا بواكي له فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلي دار بني عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين علي عم رسول الله- صلي الله عليه وسلم- السيرة النبوية لابن هشام. أرادت قريش أن تنتقم لقتلاها وتستعيد مكانتها بين العرب بعد هزيمتها في غزوة بدر وأن تؤمن الطرق التجارية المؤدية لبلاد الشام فجهزت جيشا لغزو المسلمين في المدينةالمنورة ووصلت الأخبار إلي رسول الله- صلي الله عليه و سلم- فجمع المسلمين واستشارهم: أيقاتلون المشركين داخل المدينة, أم يخرجون لملاقاتهم خارج المدينة؟ وأخيرا وقع الاختيار علي الخروج لملاقاتهم خارج المدينة والتقي الفريقان عند جبل أحد وكان ذلك في شوال من السنة الثالثة للهجرة وانتصر المسلمون علي المشركين في بداية المعركة إلا أن مخالفة الرماة الذين عينهم الرسول- صلي الله عليه وسلم- للوقوف أعلي الجبل لأمر الرسول بعدم النزول حتي يأمرهم بذلك مكن خالد بن الوليد- وكان لا يزال علي شركه- من مهاجمة المسلمين من الخلف فانقلبت هزيمة المشركين إلي انتصار, فهجموا علي المسلمين من كل جانب فكان هذا درسا وعبرة وبعد انصراف المشركين بدأ النبي- صلي الله عليه وسلم- يتفقد الجرحي والشهداء فإذا بعمه حمزة أسد الله- رضي الله عنه- من بين الشهداء استشهد علي يد وحشي عبد جبير بن مطعم وقد بقر بطنه عن كبده وحملها إلي هند بنت عتبة والتي كانت قد خصصت جائزة لمن يقتل حمزة انتقاما لمقتل والدها في غزوة بدر فلاكتها فلم تستطع أن تستسيغها وجاءت إلي مصرع حمزة ومثلت به فقطعت أذنيه وأنفه فلما رأي الرسول ما حدث لحمزة قال: لولا أن تحزن صفية, ويكون سنة من بعدي لتركته حتي يكون في بطون السباع وحواصل الطير, ولئن أظهرني الله علي قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم ونزل قول الله تعالي: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. فعفا رسول الله صلي الله عليه وسلم وصبر ونهي عن المثلة ولما دخل رسول الله أزقة المدينة إذا النوح والبكاء في الدور, قال ما هذا؟ قالوا: هذه نساء الأنصار يبكين قتلاهم وهنا بكي النبي- صلي الله عليه وسلم- وقال لكن حمزة لا بواكي له فسمع ذلك سعد بن عبادة وأسيد بن حضير فمشوا إلي دورهم فجمعوا كل نائحة باكية كانت بالمدينة فقالوا: والله لا تبكين قتلي الأنصار حتي تبكين عم النبي فإنه قد ذكر أنه لا بواكي له بالمدينة ثم نهي الرسول- صلي الله عليه وسلم- عن النياحة بعد ذلك.