أعماله الفنية عاصفة حركت الساكن، وهزمت المسكوت عنه، فعلى مدى أكثر من 30 عاما استطاع المخرج السورى العالمى أنور القوادرى أن يقدم مجموعة من الأعمال الفنية العالمية والعربية مست حياة الناس وعبرت عن آلامهم، وناقشت مشاكلهم، ورصدت أحلامهم، وخاطبت عقولهم ووجدانهم. استخدم القوادرى عقله مع موهبته، فقدم أعمالا تجيد العزف على المشاعر وتتطرق لأدق التفاصيل الإنسانية، ففى أفلامه لا تشعر بالغربة، وإنما تحس الواقع، لهذا سكنت ذاكرة الجمهور ولم تبرحها. وبمناسبة تكريمه فى مهرجان الإسكندرية السينمائى كان لنا هذا الحوار مع المخرج أنور القوادرى الذى يسلط الضوء على ملامح شخصيته، وسمات أفكاره، وأسلوبه فى التعبير عن نفسه، وعن العديد من القضايا والموضوعات التى تؤرقه. .................................................. كيف استقبلت خبر تكريم مهرجان الإسكندرية لك؟ بفرحة ليس لها حدود لأنها أتت لتعيد الاعتبار لفيلمى «جمال عبد الناصر» الذى تعرض لحملة مغرضة قبل ظهوره، وازدادت شراستها اثناء عروضه السينمائية، ولكنه قاوم كل هذه الضغوطات، وها هو يتحدى الزمن ويلاقى استحسانا اكبر وأكثر مع مرور الزمن، سواء فى عروضه التلفزيونية، أوتقديرات هائلة على اليوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعى، فهذا التكريم له وقع خاص فى قلبى، خاصة أنه جاء من المدينة التى اعشقها، الاسكندرية، والتى لم أزرها منذ ان قمت بتصوير بعض مشاهد هذا الفيلم منذ عشرين عاما. ما تأثير والدك المنتج تحسين قوادرى عليك؟ كنت ولدا محظوظا فى طفولتى كونى ابن المنتج والموزع السينمائى « تحسين قوادرى»، لهذا كنت أستطيع الدخول الى معظم دور السينما فى دمشق، فى اَى من الحفلات دون قطع تذكرة دخول، أذكر ان فيلم «من اجل حفنة من الدولارات» لسيرجيو ليونى، ترك عندى اثرا كبيرا وكان عمرى 10 سنوات وشاهدته اكثر من 25 مرة!، وكان سببا فى حبى للسينما لتصبح مهنتى، وعندما التقيت «سيرجيو ليونى» فى مهرجان القاهرة السينمائًى 1986 قلت له انت السبب فى أننى أصبحت مخرجا، داعبنى قائلا: «كويس، كسبنا مخرجا سينمائيا جيدا»، حيث شاهد فيلمى «كسارة البندق» وأثنى عليه. هل صحيح أن الفنان أنور وجدى كان يتمنى تبنيك؟ ضاحكا صحيح: حيث كان والدى صديقا شخصيا للنجم أنور وجدى، وسمانى «أنور» تيمنا به، وتوجد قصة سمعتها من والدى بأن النجم المؤسسة «أنور وجدى» طلب ان يتبنانى عند ولادتى لأنه كان يحلم بأن يكون له ولد يرثه ويكمل مسيرته فكان رد والدى له مداعبا «أنا ببيع أفلام ياأنور مش عيال»!. من هم أبرز المخرجين السينمائيين الذين استفدت منهم وكانوا سببا فى حبك للسينما؟ المخرج الكبير عاطف سالم الذى أعتبره أستاذى الاول، ومنه تعلمت الف باء الإخراج السينمائى. بدأت مشوارك السينمائى كعامل كلاكيت مع عاطف سالم فى فيلمه «خياط السيدات» بطولة شادية ودريد لحام ماذا تعلمت منه؟ فى هذه الفترة كان عمرى 14 سنة، وكنت أراقب كيف كان يقطع المشاهد، وكيف يدير الممثلين، ولقد انبهرت بأسلوب عمله، كما لا أنسى حضور النجمة شادية وتألقها بالعمل اثناء التصوير، ورقتها وحنانها، وكيف كانت تحتضنى، وتعتبرنى ابنا لها طوال أيام التصوير. ناقش فيلمك «غرفة الانتظار» التفرقة العنصرية هل ترى أن الفيلم استطاع تغطية هذه القضية وتقدميها بصورة واقعية؟ الفيلم كان بداية دخولى إلى السينما العالمية تأليفا وإخراجا، وعالجت فيه قضية التفرقة العنصرية فى بريطانيا والغرب والتى كانت فى أوجها فى ثمانينات القرن الماضى، ولاقى استحسانا كبيرا من نقاد السينما وفِى مهرجانات السينما العالمية لجرأته حيث تعرض لتابوهات كان يحرم الاقتراب منها، خاصة قضية الزعيم المسجون «نيلسون مانديلا» فى جنوب افريقيا. أثناء تجهيزك لفيلم «كسارة البندق» تلقيت مكالمة من النجم العالمى «سلفستر ستالون» ما سر هذه المكالمة؟ فتح فيلم «غرفة الانتظار» الطريق أمامى لإخراج فيلمى السينمائى الشهير «كسارة البندق» بطولة النجمة العالمية جوان كولينز، فى هذا الفيلم قدمت لأول مرة الوجه الجديد «فينولا هيووز»، التى اخترتها من بين عشرات الراقصات من المسرحية الموسيقية الشهيرة «قطط»، لتلعب دور الراقصة السوفيتية التى تهرب إلى بريطانيا، وأثناء تصوير الفيلم خرجت أخبار مسربة أن «أنور قوادرى» اكتشف نجمة سيكون لها شأن كبير فى السينما العالمية، وكنت على وشك إنهاء عمل الفيلم عندما اتصل بى فجاًة النجم «سيلفستر ستالون» من هوليوود وأخبرنى بأنه سمع باًننى قدمت ممثلة هائلة فى فيلمى وهو يقوم باًخراج فيلم من بطولة «جون ترافولتا» ويحبان الحضور فورا الى لندن ومشاهدة نسخة العمل لاتخاذ قرار إسناد البطولة ل»فينولا»، وهذا ما حدث وانطلقت «فينولا» الى هوليوود بعد فيلم «كسارة البندق». وقد حدث نفس الأمر فى فيلم « جمال عبدالناصر» عندما قدمت النجوم «خالد الصاوى، وخالد صالح وغادة عبد الرازق» لأول مرة، هذه هى حلاوة السينما ومتعة العمل فيها!.. اقتبست فيلمك « كلوديا» من فيلم « موعد على العشاء» إخراج محمد خان ما السبب الذى دفعك لهذا الاقتباس؟ عملى بالسينما العالمية لم يثننى عن متابعة الأفلام المصرية، والعربية، وعندما شاهدت فيلم «موعد على العشاء» أعجبت بقصته، وكنت ابحث عن موضوع إنسانى يتعلق بوضع المرأًة عندما تكون تحت الضغط، ويومها حصل التواصل بينى وبين المخرج «محمد خان» كاتب القصة الذى شاهد فيلمى «غرفة الانتظار» فى مهرجان القاهرة السينمائى واشاد به عن طريق صديقى الناقد السينمائى محمد رضا، ورحب «خان» بأن تتحول قصة فيلمه الى فيلم عالمى، ويومها داعبته قائلا: «عادة السينمائيين عندنا ينقلون قصص الأفلام الغربية الى أفلام عربية، فدعنا نعكس القصة هذه المرة مع الحفاظ على حقوقك المادية والأدبية»، فرد مسرورا: «عندك حق»، وبعد هذه التجربة الاستثنائية فى تاريخ السينما، نشأت صداقة جميلة بينى وبينه حتى رحيله. لماذا وقع اختيارك على الزعيم جمال عبدالناصر تحديدا لتقدم فيلم عنه، وليس الملك فاروق أو السادات أو غيرهما من الرموز المصرية؟ كانت دائما تستفزنى صورة العرب النمطية المتخلفة فى السينما العالمية وما زالت، وكنت عندما أتناقش مع المثقفين والكتاب والسينمائيين الأجانب استحضر سيرة الزعيم جمال عبد الناصر كقائد «مصرى / عربى» من دول العالم الثالث غير مجرى التاريخ، ولمست مدى احترامهم الكبير له، حتى من ألد أعدائه، فبدأت فكرة كتابة سيناريو وإخراج فيلم عالمى عن ناصر تروادنى منذ عملى فى لندن. لماذا فكرت فى إسناد بطولة فيلمك «جمال عبدالناصر» فى البداية للنجمين العالميين «روبرت دى نيرو»، و«كيفين كوستنر»؟ الفكرة أخذت تراودنى اكثر فى بداية التسعينات، فاتخذت قرارا أن أكتب السيناريو مع الكاتب البريطانى «اريك ساندرز» مقتبسا من كتاب ناصر للسياسى البريطانى «سير أنتونى ناتينج» والذى استقال من حكومة أيدن، وأصبح صديقا لعبد الناصر، وعند الانتهاء من كتابة السيناريو اتصلت بوكيل النجم «روبرت دى نيرو»، وعرضت عليه الشخصية وكذلك «كيفين كوستنر»، ولكن لم أتمكن من الحصول على التمويل الكافى لتقديم هذا الفيلم، تماما كما حصل مع المخرج مصطفى العقاد عندما أراد ان يقدم فيلما عالميا عن «صلاح الدين الأيوبى» وعانى 20 عاما متنقلا بين الدول العربية، وتوفى دون ان يحقق حلمه، وانتهى بى المطاف باًن حققت الفيلم بامكانياتنا فى العالم العربى مع الحفاظ على عالمية الفيلم بمشاركة نجوم وفنيين غربيين. كيف اكتشفت النجم خالد الصاوى الذى قدمته كبطل مطلق لأول مرة، ولماذا فكرت فى إسناد فيلم عبدالناصر له؟ شاهدته فى أحد أعماله المسرحية على مسرح «الهناجر»، واقتنعت بموهبته جدا، وأعتبر أن اهم إنجاز قمت به فى فيلم «جمال عبدالناصر»، إننى قدمت الممثل البارع خالد الصاوى فى دور البطولة، حيث تقمص الشخصية وأداها بطبيعة أعطت الفيلم مصداقية كبيرة، طبعا حرصت ان يكون محاطا بكوكبة رائعة من النجوم والممثلين والفنيين القديرين ليخرج الفيلم بمستوى رفيع. أليس فى إسناد البطولة لوجه جديد مجازفة فنية وتسويقية؟ طبعا...... لهذا كان اختيار خالد لبطولة الفيلم مغامرة مدروسة وصائبة، والدليل على ذلك ان السينما والدراما المصرية كسبتا نجما كبيرا بعد هذا الفيلم، والنجاح لم يقتصر على خالد فقط، فقد نجح أيضا خالد صالح وغادة عبد الرازق. هل حبك للعمل مع الوجوه الجديدة نوع من الشيفونية حتى يقترن الفيلم باسمك أنت؟ عندما أختار الممثلين أضع امامى موهبة وإمكانية تأدية الممثل لهذه الشخصية على اكمل وجه، هذا هو المعيار الذى أطبقه، كوّن هذا الممثل نجح فى تقمص الشخصية، وأصبح نجما فيما بعد، فهذا دليل على أنى انظر الى مصلحة العمل ككل بعيدا عن الانانية. عملت مع نجوم عالميين وأيضا مع نجوم مصريين وعرب هل تتعامل بطريقة مختلفة مع كل فريق؟ طريقة تعاملى وأسلوبى واحد لم ولن تتغير لأنى أتكيف مع ظروف العمل وخصوصيته، المهم عندى هو النتيجة النهائية ووضوح رؤيتى ورسالة العمل، ووصوله للجمهور ليستفيد منه ويستمتع به، الفن هو رسالة واستمتاع، فإذا استطعت ان اعمل توازنا بين الاثنين اشعر باًننى حققت إنجازا، خاصة عندما اجلس مع الجمهور اثناء مشاهدة أعمالى وأستمع لآرائهم ونقدهم لأكتشف اين أصبت وأين اخطاًت؟. ذكرت «أن السينما خلود وأنك تحب الخلود» ورغم هذا ذهبت للدراما التليفزيونية وقدمت فيها أعمالا ناجحة لماذا ذهبت للتليفزيون؟ الذهاب للدراما التلفزيونية هو عمل إبداعى آخر، وجمهور آخر لان الدراما تدخل بيوت الناس بدون استئذان، عكس السينما التى يلزم عليك عناء الخروج من المنزل ومصاريف التنقل وشراء تذاكر الدخول الخ، هنا يأتى اختيار الموضوع الذى يصلح سينمائيا او للدراما التلفزيونية، عندما قلت ان الخلود للسينما فأنا أعنى أننا نقتنى فيلما سينمائيا قيما ونضعه فى مكتبتنا مثل الكتاب، ولكنك لن تقتنى مسلسلا مكونا من عشرات الحلقات لمكتبتك، أنت تشاهد فيلما خلال فترة ساعتين فتقيمه، وتناقشه فور مشاهدتك مع صناعه مثلا، بينما يلزمك أسابيع للانتهاء من مشاهدة مسلسل وعندما تناقشه ممكن ان تكون قد نسيت حلقاته الاولى لمرور فترة زمنية عليهم، وفى النهاية أؤكد أن الذى يحكم ما الذى يصلح للسينما او الدراما هو الموضوع وتشعب أحداثه. بحكم كونك مخرجا عربيا وعالميا ما رأيك فى السينما العربية الآن؟ والسينما الأجنبية بحكم إقامتك فى لندن؟ الحقيقة اننى اشعر بحزن شديد على حال السينما والذى وصلت اليه فى عالمنا العربى، لقد كانت طقسا من طقوس حياتنا، كانت مثل أوكسجين التنفس للطبقة المتوسطة والفقيرة، والتسلية الوحيدة المفيدة اجتماعيا وثقافيا، لكن فى السنوات الأخيرة الجمهور الأساسى هجر دور العرض، لتدنى المستوى العام الذى تقدمه السينما، وأيضا لارتفاع أسعار التذاكر، الطريف أن الطبقة التى كانت ترتاد السينما لمشاهدة الأفلام مازالت تدفع بسخاء وتقبل على مشاهدة الفيلم الأجنبى، إذن العيب فيما تقدمه السينما العربية!. لماذا وصلت السينما إلى هذه الحالة من الهبوط والتدنى؟ لم يعد هناك وجود للمنتج السينمائى الذى كان ينتج من اجل حبه للسينما، فأصبح الانتاج السينمائى من اجل الغرائز والتجارة، ولطبقة معينة، أنا لست ضد الفيلم التجارى واؤمن بأن السينما تجارة وفن، ولكن للاسف أفلام هذه الأيام لا توجد فيها هذه المعادلة، وأصبح يغلب على معظمها التجارة فقط!. وما سر مهاجمتك لسينما النجم؟ لأننى لا أحبذ فكرة التفصيل بمعنى أن يقوم الفيلم وتدور احداثه حول النجم الأوحد، لان السينما فى رأيى عمل جماعى ابداعى، يبدع فيها الكاتب والمخرج والممثلون والمصور والمونتير والموسيقار ومصمم الديكور والملابس، كيف لنا ان نقدم عملا فنيا ناجحا اذا كان كل هؤلاء يعملون تحت أمر النجم ومزاجه الشخصى؟! ذكرت أن السينما الحالية تعتمد على الإبهار لكنها ضعيفة المحتوى والمضمون والقائمون عليها لا يتعبون على السيناريو؟ هذا حقيقى ففعلا توجد مشكلة سيناريو فى السينما العربية، والى حد ما الان فى السينما العالمية، التى ابتعدت عن المواضيع الانسانية والاجتماعية واتجهت الى صورة الإبهار والبذخ على حساب المضمون، فأهمل النص، وأصبحنا الآن نشاهد أفلاما تقوم على الإبهار البصرى بعيدا عن مواضيع المفروض ان تعالج قضايانا الانسانية، هذا لا يمنع أن ينتج بين الحين والآخر عدد قليل من الأفلام التى تقوم على مواضيع قيمة وتنجح فنيا وفى شباك التذاكر. من النجم والنجمة اللذان حلمت وتمنيت أن تخرج لهما؟ لا شك أن هناك نجوما فى السينما العالمية والعربية كنت أحب أن أخرج لهم مثل «روبرت دى نيرو، ستيف ماكوين، ميريل ستريب»، ومن العرب «أحمد زكى، رشدى اباظه، محمود مرسى، فاتن حمامه، هند رستم، أمينة رزق، وكان حلمى الحقيقى ان اخرج فيلما استعراضيا كبيرا مع عبد الحليم حافظ.! ما العمل الفنى الذى يشغل بالك حاليا وتريد إخراجه؟ مسلسل «ليه الحياة حلوة» الذى انتهيت من كتابته ويعالج قضية التطرّف باًسلوب لم يطرق من قبل فى الدراما المصرية والعربية.