مضى ما يقارب الشهر على موافقة الكونجرس الأمريكى فى 25 أغسطس الماضى على منح الميدالية الذهبية لبطل الحرب والسلام الرئيس الشهيد أنور السادات، وهى أعلى جائزة يمنحها للأمريكيين وغير الأمريكيين الذين خلدهم التاريخ فى مختلف المجالات، وتركوا بصماتهم غائرة مضيئة على صفحاته، وكانت الموافقة بإجماع أعضاء حزبيه اللدودين الجمهورى والديمقراطى على مشروع القرار الذى تم تقديمه فى شهر فبراير 2017، ومنذ هذا التاريخ وحتى الموافقة أى بعد حوالى 18 شهرا، جرى النقاش والتباحث فى مدى انطباق القانون وتطابق الشروط على المرشح للحصول على الميدالية بحكم كونها أعلى تقدير أمريكي، وهذا مبدأ وضعه الكونجرس منذ الإعلان عن الميدالية عام 1776، ومن شروط منحها أن يكون المرشح قد حقق إنجازا عظيما له تأثيره على العالم والتاريخ، وأن تكون الموافقة بعد مرور فترة طويلة على الإنجاز حتى يمكن التأكد من مدى وقعه، وتأثيره على العالم! وكان أول من حصل على هذه الميدالية الرئيس جورج واشنطن, أول رؤساء الولاياتالمتحدةالأمريكية (1732 1799) لدوره الخالد كقائد عام للقوات المسلحة فى أثناء الحرب الثورية الأمريكية التى كانت بمثابة تمرد حاسم على الاستعمار البريطاني، وانتهى أمرها بإعلان انفصال الولاياتالمتحدة عن بريطانيا واستقلالها. أما أول إفريقى حصل على الميدالية فهو الزعيم العظيم نيلسون مانديلا (1918-2013)، وكان ذلك عام 1998، ولمانديلا دوره التاريخى الباهر فى التحرر ومناهضة التفرقة العنصرية والتصدى لسطوة الأوروبيين الغرباء الوافدين إلى بلاده واستعبادهم شعبها ونهبهم خيراتها، وفى سبيل الخلاص تحمّل مانديلا قسوة البطش والاعتقال والسجن، وبرغم ما لاقاه كان الاتجاه بعد ذلك إلى التفاوض والتصالح والتسامح من أجل تحقيق الاستقرار والابتعاد عن نير الثأر والانتقام والحروب الأهلية، وذلك حفاظا على كيان الوطن وبنيانه وسلامة أراضيه، وسعيا إلى آفاق النهضة والتنمية ... إلخ، ثم كان اسم الرئيس الراحل السادات كأول زعيم عربى يحصل على هذه الجائزة الكبري، وتصادف حصوله عليها فى الذكرى المئوية لمولده عام 1918، وهو بسيرته التاريخية وأعماله وإنجازاته المبهرة فى غنى عن التعريف، ولكن مما يجدر ذكره فى هذا المطاف كمصادقة تاريخية لا تخلو من الغرابة، هو العديد من أوجه الشبه بينه وبين الزعيم مانديلا، فكلاهما من مواليد 1918 ومن أبناء القارة الإفريقية، وكان الكفاح والنضال والاعتقال من نصيبهما، ثم أصبح كل منهما فيما بعد رئيسا للجمهورية فى بلده، وسعى وكافح وقاتل وحارب من أجل تحقيق النصر والمجد لبلاده ثم تحقيق السلام، وحظى الأثنان بجائزة نوبل للسلام بمشاركة مع من كانا بالأمس فى مصاف الأعداء (مانديلا ويليام كليرك، السادات مناحم بيجن).. كلاهما نال أعلى درجات التقدير والتكريم والاحترام من أكبر زعماء العالم المتحضر، الذى تحركه المآثر والإنجازات وعظائم الأعمال، وإن كان الرئيس الراحل السادات قد حظى بقدر أعظم وأسمي، وهو نيل الشهادة من أجل السلام، والسلام من أسماء الله الحسني! وبرغم مرور نحو شهر من التكريم، مر الحدث دون صدى بوسائل الإعلام بالقدر المستحق، اللهم إلا بعض مقالات لقلة من الكتاب حركتهم مشاعر الوفاء والعرفان والتقدير لهذا الزعيم البطل الذى واجه قاتليه المجرمين واقفا منتصب القامة، والذى قال عنه الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر إنه قابل نحو 150 زعيما ورئيس دولة فلم يجد بينهم من يماثل السادات ذكاء وشجاعة وحدة نظر، وهو أيضا الذى أصدرت مراكز البحوث بالولاياتالمتحدةالأمريكية نحو 140 كتابا، تناولت تاريخه الأسطورى الفريد وأعماله وإنجازاته التاريخية العظيمة. جلال إبراهيم عبدالهادى مصر الجديدة