كتبت هنا أكثر من مرة عن التطورات التى حدثت، وتحدث حول نهر النيل، وكنت أتوقع، دائما، بأن الأزمة المثارة، والمعروفة باسم السد الإثيوبى الكهرومائى فى مجرى النيل الأزرق، والمعروفة باسم سد النهضة لن تكون حجر عثرة مع الإرث التاريخى لمصر، ولن تؤثر على حصتنا من المياه التى نحصل عليها منذ بدء الخليقة وإلى الآن، فهى هبة الخالق للمصريين. ولم يكن مبعث هذا التفاؤل نابعا من المعرفة التاريخية والجغرافية بحوض النيل فقط، ولكن من معرفتى بأن الحقائق الطبوغرافية والتاريخية وحدها تقف ضد من يحاول أن يجعل من السد الإثيوبى أزمة، وليس فرصة للبلدين، وقد اتهمنى كثير من الناس بتبسيط الأزمة، عندما قلت إن الإثيوبيين سيأتون إلى مصر لكى يجعلوا من هذا السد مشروعا لصالح شعوب نهر النيل، وليس ضد حياة ومستقبل الناس، وطالبت بأن نهتم بإثيوبيا والسودان معا، بل وكل دول حوض النيل، ولأننى أعرف وأدرك أنه حوض مائى غنى للغاية، فهو لن يضن أو يبخل على أبنائه أو أصحابه بما يريدون من المياه عبر السنين، بل عبر كل الأجيال المتعاقبة. وقد اعتبرت الأزمة فرصة حتى نعرف بعضنا بعضا، ويهتم كل منا بالآخر، وندرك أن المياه نعمة من الخالق، تحتاج إلى من يصونها، ويدرك قيمتها، ويعلى من شأنها. وليس هناك ما هو أفضل وأغلى من المياه، لأنها أم الحياة، بها نحيا، وبها نموت! وأغنتنا تكنولوجيا الاتصالات الحديثة بالسهولة لنستعيد من الأرشيف ما كتبناه فى هذا السياق منذ عدة أشهر، خاصة مقال نهاية الصراع على النيل المنشور بتاريخ 23 أكتوبر 2017، والذى قلت فيه إن التاريخ المكتوب لمصر سيسجل، للسياسة المصرية الحالية، أنصع صفحاتها، لما يحدث من مفاوضات سياسية وإستراتيجية مع إثيوبيا والسودان ودول حوض النيل، لتأمين حصة مصر ومستقبلها المائى بلا صراع أو تداخلات فى الشئون الداخلية لدول غالية جدا علينا، وأكدت أن استقرارها ونموها وتطورها سيكون فى صالحنا، وليس خصما من رصيدنا، أو يكون عاملا يعمل ضدنا على الإطلاق فى أى زمان. واستكملت نفس المعنى في30 أكتوبر 2017 عن النيل ومستقبل مصر، ثم أكملت بثنائية الطاقة والمياه فى (5فبراير 2018)، واليوم تتكرر الصورة، ونرى الأحداث تقول لنا، بكل ثقة ويقين، إننا نملك القدرة على التغيير، وحماية مستقبل الوطن، حتى لو كنا وسط العواصف الهوجاء، والمتغيرات الجمة التى تلاحقت بلا حساب، وستكون لمعركة مصر مع النهر رصيد كبير للفخر والاعتزاز للمصريين فى كل تاريخهم، خاصة الجيل الحالى الذى وقف فى مواجهة العواصف العاتية بكل ثقة فى الوطن، وفى أنفسهم لإعادة المسارات إلى أوضاعها الحقيقية أو التاريخية، ولم يجعلوا العاصفة تقتلعهم من الحياة، أو تجرفهم أمامها بلا مستقبل! عندما يتم تسوية ما يعرف باسم أزمة سد النهضة الإثيوبى سوف يعرف المصريون من هم أصدقاؤهم، ومن هم أعداؤهم الذين تآمروا عليهم، مستغلين أزمة عابرة فى تاريخهم العريض، وسيعرفون من وقف معهم ومن وقف ضدهم! ومن حاول أن يوقف الفتنة ومن أشعلها!. ولكننا الآن سنتوقف أمام التطورات الإيجابية جدا، والقادمة من إثيوبيا فى تصريحات رئيس الوزراء التاريخى لإثيوبيا آبى أحمد، وهى تفتح طريق التعاون، وتعطى لمصر آمالا جديدة، فيتم تحويل سد النهضة، بمشاركه مصر والسودان وإثيوبيا إلى فرصة، ويصبح إنجازا تنمويا إقليميا، باستغلال المياه والأراضى والطاقة بالكميات الوفيرة التى يحققها التعاون الثلاثي، وتصحيح المسار العدائى القديم ضد مصر. فمن الممكن أن تتحول هذه المنطقة، بما تملك من مياه وأراضٍ وطاقة، إلى بنك قوى للطاقة والمياه للعالم وليس لشعوب النهر فقط، وأن تصبح نقطة تعاون وتلاقٍ، وليس نقطة صراع وحروب، وأن يتحقق من خلالها إنتاج غذائى وفير، لشعوب النهر والعالم. سنقول بعده إن منطقتنا ملكت الحكمة التى أوقفت بها حروب المياه، ونقص الغذاء على النيل، فالبلاد الحكيمة قد تدخلت لوقف الحروب والصراعات، ولم تستعن بالقوى العظمي، كما جرت العادة فى حل المشكلات المستعصية. كان هناك سباق بين طرفين لجر شرق إفريقيا الى صراعات الشرق الأوسط، ولكن التحالف الذى بنته مصر لردع قطر، وحلفائها الأتراك والإخوان، انتقل من الصراع على إنشاء معسكرات، وقواعد عسكرية وبحرية، إلى حل المشكلات المستعصية، ومواجهة الإرهابيين والمتطرفين والأشرار من كل فج عميق، وانتصر أنصار الحق فى الحياة على أنصار من حاولوا إشعال النيران فى كل مكان، فتحول الصراع من هدم مصر إلى إعادة بنائها، ومن حرق الشرق الأوسط وتدمير دوله إلى وقف التدهور والانهيار، وتم منع امتداده إلى شرق إفريقيا، بروح وثابة لوقف الصراعات والحروب القديمة، وإعادة الأمل إلى دول شعوب إفريقيا. وستكون معركة النهر والسد علامة كبرى على هذا المسار، وعلى هذه التحولات الإيجابية، وهذا من حسن حظ المصريين، ويجب أن نفخر ونعتز بذلك، ونساعد فى دفع هذه التطورات الايجابية، ولا نضع فى وجهها أى عقبات مستقبلية، وأن نستكملها بحماية النهر، وترشيد الاستهلاك فى الداخل، وأن نمسك بالفرصة الجديدة، بكل غنائها وثرائها، ونحن نملك العقل والحكم والسياسة، حتى ندخل العصر الجديد بكل تحولاته المذهلة للناس والدولة. لمزيد من مقالات أسامة سرايا