الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. هكذا وعدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم. وقد أنعم الله على بالحج هذا العام. فتنعمت بفضل الرحمن وتشرفت بالدعوة العظيمة من صاحب البيت ورب العزة جل جلاله. تجربة لا تضاهيها تجربة ولا يوجد لها مثيل فى الكون. لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. أعظم اعلان للإيمان والعقيدة. لبيت مع 2 مليون حاج نداءنا الذى يصدح فى الكون ويصدع الشيطان، ما أجمل ان ترى كل الاعراق والأجناس والألوان والألسن تتفق على كلمة واحدة (لا اله إلا الله، محمد رسول الله) راجين عفو العزيز الغفار وملتمسين رحمته. جئنا نسبح باسم الله مع كل المخلوقات. فيض الرحمة والمغفرة ينساب بلا عدد. نذوب فى عالم من الحنان الإلهى الذى يمنحنا ويعطينا كبشر دون شرط أو قيد. فقط لأننا عباده يرحمنا. وفقط لأننا شهود اليوم المشهود تتنزل علينا الفيوض العظيمة. يوم عرفة الذى قال عنه رسول الله: وما من يوم عند الله أفضل من عرفة، ينزل الله إلى السماء الدنيا، فيباهى بأهل الأرض أهل السماء، فيقول انظروا إلى عبادى شعثًا غير ضاحين جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتى ولم يروا عذابي؟! فلم يُر يومٌ أكثر عتقًا من النار مثل يوم عرفة. يوم عرفة أحد الأيام العشرة المفضلة فى أعمالها على غيرها من أيام السنة. اليوم الذى اكتملت فيه رسالة الاسلام. قال تعالى على لسان رسوله الكريم ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا). وندعو الله ان يقبل زيارتنا ويقبل حجتنا وان تكون مبرورة خالصة لوجه الله، حجة تبتغى مرضاته وتنشد رضاه جل جلاله. ورغم أن القول المأثور يقول عجز الشيطان أن يعبد فى جزيرة العرب. لكن الشيطان لا يترك هذا الكم الهائل من الشر دون وسوسة. فيثير أعصابهم لأى سبب ويحاول أن يجعلهم يجادلون رغم أنه لا جدال فى الحج، المهم ان يدفعهم لمعصية والخروج عن التركيز فى الله وفضائله. لكن رحمة الله أكبر، وهو قادر على حماية عباده واتمام رحلتهم الروحانية بكل التبتل والانغماس فى النسك وعبادة الله سبحانه وتعالى حق عبادته. الحج اغتسال بكل الصور. اغتسال من الذنوب واغتسال من الاهمال واغتسال من الطباع السيئة وانعزال عن المعصية وانقطاع عن الشهوات ومحو لأى ماض سيئ لأى انسان. ولادة من جديد. وتجديد وعد الانسان مع الله، وغذاء روحى يمتد حتى يحين أجل الانسان على الأرض. بل والى ما بعد ذلك لزمن يعلمه الله وحده. الحج فضل من الله منحه لعباده لكى تكون لديهم فرصة حقيقية للتوبة والمغفرة من أوسع أبوابها. الحج باب للرحمة وباب لخيرى الدنيا والآخرة. فيا كل من زلت قدمه فى الدنيا، منحك الله الحج لكى تعود طاهرا نقيا كما خلقك الله. وجعلك ترى تجلى الله وعجائب قدرته فى تحقيق المعجزات. المريض يشفى بإذن الله والفقير يغنيه الله من فضله، والعاصى يتوب، والقلق يرتاح قلبه والمتشكك يتعضد ايمانه ويثبت. حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: يا مثبت القلوب. ثبت قلبى على دينك. حتى نبى الرحمة - الذى لا ينطق عن الهوى إنما هو وحى يوحي- حذرنا من زيغ أبصارنا وتشتت أفئدتنا وضياع بوصلتنا، فنحتاج العمرة والحج وكل فعل ايمانى عظيم لتجديد دمائنا الروحية وتجديد محبتنا لله. والتيقن من حب الله لنا وفضله الدائم علينا الذى لا يتوقف. وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها. النعمة الواحدة كنعمة النظر مثلا لها امكانات متناهية يعجز الإنسان عن تصور مداها. الحج يذكرنا بأن الله يقبل كل الناس ولا يشترط للقبول أى شرط إلا من أتى الله بقلب سليم؛ والتوبة النصوحة. الحج ركن أساسى من أركان الاسلام. لذا قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.ا تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب. وقال عنه كذلك: من حج، فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه. ويضيف رب العلا: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين). الحج فتح من الفتوحات الإلهية ورزق يرزق به من يشاء بغير حساب. ولا نتمنى بعده شيئا إلا الحفاظ على الثوب النقى فى أرواحنا. فإذا قبلنا الله فى حجتنا، ارتقينا وقد نصبح من عباد الله الصالحين. وهل من بعد هذا فضل؟