سجلت درجات الحرارة في الإمارات خلال فصل الصيف الحالي معدلات قياسية جعلت من صيف2012 الاعلي سخونة, ورغم أن المقيمين في الامارات اعتادوا علي حرارة الصيف المرتفعة وتعايشوا معها.كل وفق امكاناته, سواء بالسفر الي الخارج او الابتعاد قدر الامكان عن التعرض المباشر للشمس الحارقة, الا أن صيف2012 شهد سخونة من نوع آخر منحته خصوصية لا ترتبط فقط بدرجة الحرارة وانما تتصل بالتطورات السياسية والامنية التي تشهدها الامارات حاليا بالاعلان عن اعتقال جماعة تخطط لاستهداف أمن الامارات ونظام الحكم فيها. وللوقوف علي تطور الاحداث التي كانت نهايتها تحويل صيف الامارات التقليدي الساخن الي صيف ملتهب سياسيا وامنيا, لابد من العودة الي بداية بروز قضية تهديد نظام الحكم والتي تزامنت مع نجاحات ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا, والتي أتت بالاسلام السياسي الي سدة الحكم, حيث ظهرت في حينها دعوات اماراتية للاصلاح السياسي وتمكين الاماراتيين من المشاركة في عملية صنع واتخاذ القرار, وذلك عبر عريضة تقدمت بها مجموعة من المثقفين الامارتيين الي رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد, الا أن هذه المجموعة تعرضت الي هجوم اعلامي وشعبي شرس واتهامات بالخروج عن التقاليد والدعوة الي تهديد نظام الحكم. وفي مرحلة لاحقة تعرض سبعة ناشطين اماراتيين تم وصفهم ب الاسلاميين الي الاعتقال وتقديمهم للمحاكمة وصدر حكم بسحب الجنسية الاماراتية منهم لاتهامهم بالارتباط بتنظيمات خارجية والقيام باعمال تهدد أمن الدولة. وينتمي الناشطون الي جمعية الاصلاح التي تقول السلطات الاماراتية انها ترتبط بفكر الاخوان المسلمين, وسبق أن حصلوا علي الجنسية الاماراتية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي, ومن بينهم الشيخ محمد عبدالرزاق الصديق عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. وأخيرا برزت القضية التي اطلق عليها خلية خوارج البيعات الخارجية في اشارة الي ولاء اعضاء الخلية الي جهات خارجية علي حساب وطنهم وقياداته حيث بلغ عدد من تم اعتقالهم نحو35 شخصا معظمهم من المنتمين الي جمعية الاصلاح. واذا كانت جهات التحقيق في الامارات اكتفت بالاشارة في بيان صادر عن المحامي العام بمكتب النائب العام الاتحادي بالإمارات علي الطنيجي الي اعترف أعضاء التنظيم بارتباطهم بتنظيمات وأحزاب ومنظمات خارجية مشبوهة, ووجود مخططات تمس امن الدولة دون توضيح تفاصيل في القضية, الا أن الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة كشف عن اعتقال مجموعة من أعضاء التنظيم وصفهم بالمخربين أثناء هروبهم من المطارات والمعابر الحدودية لتأسيس تنظيم في الخارج. وسبق أن هاجم حاكم الشارقة من وصفهم ب خوارج البيعات الخارجية واتهمهم بالسعي للايقاع بشباب الإمارات خدمة لأجندات خارجية من خلال استغلال الشعارات الاسلامية. بدوره شن الشيخ حمد بن محمد الشرقي حاكم الفجيرة هجوما شديدا علي الجماعة التي تدعو للخروج علي الثوابت بمنهج منحرف وأفكار ضالة, سعيا إلي شق الصفوف, بحجج واهية, واتهامات باطلة, مدفوعين بمصالح شخصية, واستنادا الي أجندات خارجية علي حد وصفه. من جانبه قال القائد العام لشرطة دبي ضاحي خلفان ان التهديد الحقيقي لدول الخليج يتمثل في صعود الإخوان المسلمين في العالم العربي مؤكدا أن هناك مؤامرة تستهدف الاطاحة بنظم الحكم في دول الخليج من اجل الاستيلاء علي الثروات الخليجية.. واضاف: لم أكن أعلم أن في دول الخليج عددا كبيرا من الاخوان وعلينا أن نتخذ حذرنا لأنه كلما اتسعت هذه الجماعة يمكن أن تحدث مشاكل. وعلي الرغم من أن الامارات تحرص علي توضيح أن القضية المطروحة علي الساحة حاليا أمنية بالدرجة الاولي, الا أن هناك من يري الصورة من زاوية أخري تتصل باستهداف دعاة الاصلاح في دولة لا تسمح بممارسة أي أنشطة سياسية, ويمكن رصد وجهة النظر هذه في وسائل الاعلام الغربية التي ادانت حملات الاعتقال لمن وصفتهم ب نشطاء حقوق إنسان ودعاة للاصلاح الديمقراطي وخصصت منظمات مراسلون بلا حدود والعفو الدولية وهيومان رايتس ووتش تقارير تتحدث عن السياسة الامنية التي تتبعها الاجهزة الاماراتية للتصدي لمحاولات الاصلاح من خلال توجيه الاتهام باستهداف امن الدولة ونظام الحكم وهو ما يثير الكثير من الجدل حول مناخ حرية التعبير والحقوق السياسية للاماراتيين. ويبقي التأكيد علي أن الهجوم الذي تتعرض له دعوات الاصلاح في الامارات لا يقوم علي فكرة الاصلاح وانما يرتبط ارتباطا مباشرا بطريقة التعبير عن الرأي وآلية الاصلاح ولعل هذا ما أكدته الكاتبة عائشة سلطان حينما قالت في مقال نشرته جريدة الاتحاد الاماراتية لا ننكر أن لدينا قصورا ومشكلات في جوانب عدة لكن الإصلاح والتغيير يحتاجان إلي إرادة وخطط وليس إلي تأليب واستعداء الخارج ضد وطن أعطي ولم يدخر وسعا.. مشيرة الي أن الإصلاحات السياسية التي يطالب بها البعض لم تغب عن توجهات وخطط الحكومة والتي سارت بخطط التدرج والتمكين نحو التوسع فيها وإشراك أكبر عدد من الشباب كما أن هناك بعض المسؤولين التنفيذيين في عدد من الوزارات تم عزلهم بعد أن أثبتوا عدم أهليتهم للمناصب التي يشغلونها. ولعل من الضروري الاشارة الي أن المجتمع الاماراتي يتميز بحالة خاصة من الانسجام بين قيادة الدولة والشعب, لا ترتبط فقط بمستويات المعيشة المرتفعة التي توفرها الدولة للمواطنين, وانما ايضا بالتواصل المستمر بين الحكام والمسئولين في الدولة والشعب في مناسبات عديدة.. وفور بدء ثورات الربيع العربي بادر قادة الامارات باتخاذ اجراءات عملية علي مسارين, أولهما اقتصادي, اعتمادا علي ما يتوفر لديها من ثروات- باعتبارها ثالث أكبر دولة مصدرة للبترول في العالم- بتوجيه انفاق ضخم للتنمية في عدة مناطق خاصة بالامارات الشمالية الاقل نموا, الي جانب تخصيص حزمة مالية كبيرة لزيادة الرواتب والمعاشات, وثانيهما سياسي, سعيا لتعزيز المشاركة السياسية للاماراتيين بزيادة حجم الهيئة الانتخابية للمجلس الوطني الاتحادي البرلمان الذي جري انتخابه قبل نهاية العام الماضي. ويري المراقبون أن المزاج الخليجي اصلاحي وليس ثوري, فلا توجد مطالب ضد شرعية الحكام او اسقاط نظام الحكم فالمطالب تنحصر فقط في التطلع الي المشاركة في الحياة السياسية وهو ما تسعي الامارات الي تحقيقه ولكن وفق مسار متدرج تحدده خصوصيات المجتمع الاماراتي وفاء لتعهدات قطعها قادة الامارات علي انفسهم في هذا الشأن حيث سبق أن أكد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ان الامارات تسير في مسار متدرج نحو تعميق المشاركة وتطوير ممارساتها وفق ما قررته بكامل ارادتها الوطنية بينما تعهد الشيخ محمد بن راشد, نائب رئيس الامارات حاكم دبي بالمضي قدما في ترسيخ الديمقراطية في الامارات.