تتردد كثيرا القرارات أو الوعود بالقضاء على الفقر، الفساد، الإرهاب، المخدرات، و... و... وهنا فإننا لا نشك أبدا فى صدق وعزم القائلين أو فى كفاءة الخطط والمخططين، لكننا نود لو أن الجميع التزموا بالمنطق وتحلوا بقدر من التواضع. ونؤكد لهم أنه لا يمكن القضاء على الفقر على سبيل المثال، سيظل الفقر موجودا ولن يختفى الفقراء فى أى مجتمع من المجتمعات بما فى ذلك تلك الأكثر ثراء وقوة والتزاما بالعدالة الاجتماعية، وأفضل ما يمكن تحقيقه هو الحد من الفقر وأعظم نجاح هو الوصول بهذا الحد إلى المستوى الأدنى الممكن، مع الاستمرار فى بذل الجهود للحفاظ على هذا النجاح. والأمر لا يختلف بالنسبة للفساد، فسيظل الفساد موجودا، ولن يختفى الفاسدون، وليس معنى ذلك أن تفسح المجتمعات لهم المجال لممارسة فسادهم وإفسادهم، فالمجتمعات لا يمكن أن تحقق أهدافها فى التطور والتقدم والصعود على طريق المستقبل إلا ببذل غاية الجهد لمواجهة الفساد والمفسدين ومطاردتهم بلا هوادة والحرص على اصطياد الرءوس الكبيرة مثلما حدث فى الولاياتالمتحدة مع الرئيس نيكسون، وما جرى مؤخرا مع زوما رئيس جمهورية جنوب إفريقيا. ومن المعروف أن الفساد يتعاظم فى ظل وجود منظمات للجريمة المنظمة مثل المافيا فى الولاياتالمتحدةوإيطاليا والياكوزا فى اليابان. وبالرغم من هذه القوة التى تحمى الفساد والمفسدين فإن عمليات المواجهة لا تتوقف، ويعمل الجميع من أجل التوصل إلى تحجيم الفساد والوصول بمستوياته إلى حد أدني. وهكذا الأمر بالنسبة للإرهاب، فالهدف الممكن هو الحد منه، لأن القضاء عليه أمر لم تتمكن البشرية عبر التاريخ من القضاء عليه. نعم تم القضاء على عشرات المئات من المنظمات الإرهابية والمتطرفة، لكن كانت تولد دائما منظمات جديدة. ومازلنا نذكر عشرات المنظمات الإرهابية الشيوعية التى انتشرت فى قارات العالم وصعد نجمها خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مثل الألوية الحمراء فى إيطاليا والنجم الأحمر فى اليابان، والبادر ماينهوف فى ألمانيا ومنظمة أبو نضال الفلسطيني، وكارلوس الفرنسي، كل هذه المنظمات تم القضاء عليها خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ولكن سرعان ما ظهرت منظمات أخرى ترفع شعارات إسلامية مثل القاعدة وطالبان وداعش، وإن كان يمكن القول إنها جميعا خرجت من عباءة الإخوان المسلمين. والذى لا شك فيه أن مثل هذه المنظمات ببنيتها الفكرية لن تتمكن من الاستمرار حتى لو كانت مدعومة من قوى عالمية وإقليمية لشدة تخلفها وعدم ملاءمة هذا الفكر للمناخ العالمى السائد. كما أن ما تحمله من عداء للحضارة الغربية وتكفير للمجتمعات الإسلامية حكاما ومحكومين يحمل فى طياته عوامل فنائها. وعندما نقول، إن الإرهاب لا يمكن القضاء عليه، فإن ذلك لا يعنى أنه لا يمكن القضاء على التنظيمات القائمة حاليا، فذلك أمر سوف يتحقق بالرغم مما يبدو من انتشارها فى مناطق كثيرة بالعالم، لكن ما نقوله إن انطواء صفحة هذه التنظيمات الإرهابية لن يكون كلمة النهاية، وستولد منظمات أخرى هنا أو هناك غدا أو بعد غد. وحتى لو تم القضاء على هذه التنظيمات فسيظل هناك كثرة من الإرهابيين الأفراد، أو ما يمكن أن نطلق عليهم الذئاب المنفردة. ولكن يكفى أن يكون الهدف الآن القضاء على هذه التنظيمات الإرهابية وبعدها يمكن التعامل مع من يتبقى من إرهابيين، ولهذا نقول إن الهدف فى هذا المجال هو الوصول بالحالة الإرهابية إلى حدها الأدني، أى أن الإرهاب كظاهرة بشرية سوف يستمر ولكن ستظل هناك قوى محلية وإقليمية ودولية تعمل بكل قواها لمواجهة هذه الظاهرة والحد من قدراتها وتأثيرها وانتشارها وخطرها. لمزيد من مقالات عبده مباشر