يكتشف المتابع الجيد لوسائل الإعلام، التقليدية منها والحديثة علي السواء، بالإضافة إلي وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها فيس بوك وتويتر، كيف أن المجتمع المصري يعاني في الوقت الراهن ظاهرة انتشار الشائعات والمعلومات المغلوطة والأخبار المفبركة، غير الصحيحة أو المزيفة، عن قصد أو دون قصد. لم تسلم مؤسسة الرئاسة من هذا الأمر، كما لم تسلم قطاعات ومؤسسات أخري في الدولة مثل الأزهر الشريف ودار الإفتاء والكنيسة القبطية الأرثوذكسية وبعض الوزارات والجهات الرسمية، تكهنات هنا واجتهادات هناك، تنتج شائعات وأكاذيب يظنها المواطنون معلومات وحقائق، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، حيث تنطلق تلك الشائعات وتنتشر، يتداولها المواطنون وينقلونها لآخرين، مع بعض الإضافات أحيانًا. هكذا تزايدت الشائعات بشكل لافت للنظر ومثلت خطرًا علي المجتمع، إلي الحد الذي جعل الرئيس عبد الفتاح السيسي يُصرح، في 22 يوليو الماضي في أثناء الخطاب الذي ألقاه بمناسبة الاحتفال بالذكري السادسة والستين لثورة 23 يوليو 1952م، بأنه تم رصد نحو 21 ألف شائعة في ثلاثة أشهر فحسب، وهو بالطبع رقم هائل ومخيف يبعث علي القلق، حيث أوضح الرئيس أن الهدف من تلك الشائعات خلق البلبلة والإحباط وزعزعة استقرار الوطن، مُطالبًا المواطنين بضرورة الانتباه لما يُحاك لهم. ونشير هنا إلي مجموعة من الملاحظات والأفكار، أولًا: تنتشر الشائعات والأكاذيب حين تغيب المعلومات أو تتأخر قليلًا، وحين تقل الشفافية في التعامل مع القضايا والمواقف والأحداث، وقد أشار الكثير من الدراسات إلي أنه من ضمن المشكلات التي يعانيها الصحفيون والإعلاميون في أثناء ممارستهم المهنية المنع من الوصول للمعلومات أو صعوبة الحصول عليها أحيانًا، ما يفتح الباب واسعًا أمام اجتهاد البعض، ويأتي علي حساب الحقيقة والدقة، وهو أمر يدعو إلي الإسراع في إصدار القانون الخاص بحرية تداول المعلومات. ثانيًا: هناك خطورة في الاعتماد علي وسائل التواصل الاجتماعي في الحصول علي المعلومات، حيث تمثل تلك الوسائل فضاءً إلكترونيًا يسمح بالنشر وتداول الأخبار في مختلف المجالات دون الخضوع لقواعد وضوابط كافية، ما يتطلب وعي المواطنين بأهمية الاعتماد علي المصادر المسئولة والموثوقة التي تتمتع بمصداقية عالية. هنا ينبغي تدقيق المعلومات قبل تصديقها وتداولها ونقلها، من باب الأمانة وحرصًا علي سلامة الوطن ومواطنيه، ما يؤكد أهمية مراكز وإدارات الإعلام والعلاقات العامة لمؤسسات الدولة ويزيد من مسئولية ودور المتحدث الرسمي والإعلامي، والحاجة إلي إعداد الكوادر البشرية المناسبة في هذه القطاعات وتدريبها باستمرار وتطوير قدراتها، وتحديث المواقع الإلكترونية لتلك المؤسسات أولًا بأول، والاستفادة مما تتيحه التكنولوجيا الحديثة من وسائل إعلام وأدوات تواصل فعّالة. ثالثًا: ثمة حاجة ضرورية ومطلب متكرر خاص بتعامل المؤسسات الرسمية والمدنية مع مختلف القضايا والأحداث بشيء من الدقة والسرعة في الوقت ذاته، عبر توفير المعلومات في إطار من الشفافية والمصارحة لقطع الطريق أمام الشائعات ومن يروجها، فالمواطن يبحث دائمًا عن المعلومة، وهو في سبيل ذلك يسلك كل الطرق، خاصة وأنه أصبح من السهل التنقل بين وسائل الإعلام، المصرية والعربية والأجنبية، فقد تغير العالم علي نحو واضح بفضل التقدم الهائل الذي يشهده مجال تكنولوجيا الاتصال، وأصبح من السهولة الوصول إلي المعلومة، وإنتاجها أيضًا. رابعًا: هناك فرق بين الخبر والمعلومة من جهة، والرأي أو وجهة النظر من جهة أخري، فالخبر عبارة عن مجموعة من المعلومات والحقائق، بينما يُعبر الرأي عن وجهة نظر صاحبه وتحليله للأحداث وإن اعتمد علي حقائق ومعلومات، وبالتالي فإننا قد نقبل رأيه وقد نرفضه. خامسًا: من حق المواطن أن يعرف، إعمالًا لمبدأ الحق في المعرفة وإتاحة البيانات والمعلومات، تبادلها ونقلها، وهو حق إنساني أصيل تؤكده المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، ومن ذلك مثلًا أن المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948م تنص علي أنه «لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلي الآخرين، بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود». إن الأمر بذلك مسئولية جماعية مشتركة، علي مؤسسات الدولة توفير المعلومات بصراحة وشفافية، وعلي المواطنين استخدامها بدقة دون تحريف أو تشويه مع إعلاء المصلحة الوطنية التي تقتضي الأمانة فيما يتم تداوله من معلومات. لمزيد من مقالات ◀ د. رامى عطا صديق