لم تكن هذه المرة الأولي، ولن تكون الأخيرة التى يثار فيها جدل حول أزمة صناعة الدواجن فى مصر.. هذه الصناعة التي يقدر حجم استثماراتها ب 65 مليار جنيه تعانى من مشكلات وأزمات من عام 2006، تعاقب على وزارة الزراعة المسئولة عن تنمية هذا القطاع وتطويره 12 وزيرا فى 7 سنوات، ورغم القرارات التى صدرت من الحكومات السابقة والحالية لحل أزمات الثروة الداجنة إلا أن المشكلات مازالت محلك سر!! وهذه وجهة نظر ممثلى اتحاد منتجى الدواجن - المثير للانتباه أن كل الأطراف المعنية بهذه الأزمة سواء الحكومة أو المنتجون والمربون والوسطاء يعلمون أبعاد المشكلات التى تواجه هذه الصناعة جيدا، ويعلمون أيضا الحلول، ولكن الأزمة ساكنة فى مكانها لا تتحرك، بل إن وزير الزراعة الدكتور عز الدين أبوستيت كشف فى مؤتمر صحفى بعد توليه الوزارة أن قطاع الإنتاج الحيوانى فى مصر يواجه مشكلات كثيرة، وأن هناك انتزاعا لحق المنتج والفلاح لصالح السماسرة، هذه التصريحات للوزير «ليست مفاجئة» وكل الأطراف التى تعمل فى هذا القطاع تعى ذلك جيدا. فى هذا التحقيق نطرح الأزمة «القديمة الحديثة» والحلول من وجهة نظر أصحاب المشكلة .. ولا يتبقى سوى الرغبة الحقيقية فى مواجهة أصحاب المصالح والوسطاء وبعض التجار الجشعين. فى البداية يصف الدكتور نبيل درويش رئيس الاتحاد العام لمنتجى الدواجن صناعة الدواجن فى مصر بأنها صناعة قوية وواعدة، ويعمل بها حوالى 2.5 مليون عامل، مما يعنى أن عدد من يعيشون على هذه الصناعة حوالى 10 ملايين مواطن، ويبلغ حجم استثماراتها 65 مليار جنيه وتنتج سنوياً ما يقرب من مليار و 250 مليون كتكوت عمر يوم واحد، وحوالى مليار دجاجة، و8 مليارات بيضة مائدة، لافتا إلى أن القطاع التجارى فى هذه الصناعة يمثل 70% منها، والباقى من القطاع الداجنى الريفي.. وأوضح أن مربى الدواجن يشتكون من ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج - خاصة الفول الصويا والذرة الصفراء - بسبب الاعتماد على الاستيراد وعدم وجود أى خطة واضحة من وزارة الزراعة لدعم مزارعى تلك المحاصيل، عبر تفعيل قانون الزراعة التعاقدية مع المزارعين - وحسب شعبة الثروة الداجنة بالغرفة التجارية بالقاهرة- فإن فاتورة استيراد 9 ملايين طن من أعلاف الذرة الصفراء وفول الصويا، تكلف مصر ما يقرب من 18 مليار جنيه، لاستخدامها فى مستلزمات الإنتاج الحيوانى والداجنى وتمثل عبئًا كبيرًا لكون الاستيراد بالعملة الصعبة «الممثلة فى الدولار» وما يتعرض له من تقلبات فى سوق الصرف. القاطرة الحقيقية وأشار درويش إلى أن صغار المربين يمثلون القاطرة الحقيقية لصناعة الدواجن، حيث يصل عدد المزارع إلى 40 ألف مزرعة تقريبا على مستوى الجمهورية، و70% من المربين يعملون فى مرحلة التسمين، قبل البيع والتداول فى الأسواق. مزارع بالتقسيط واقترح رئيس الاتحاد العام لمنتجى الدواجن تبنى بنوك كبيرة فكرة إنشاء مزارع حديثة، وإعادة بيعها للمربين والمستثمرين، ويقسط ثمنها على أقساط لحماية هذه الصناعة إذا كنا جادين فى الإصلاح، وأكد أن الحل الوحيد لإنقاذ هذه الصناعة بنقلها للظهير الصحراوى بطرق علمية مدروسة وتوفير بنية أساسية متطورة. ويرى درويش أنه لا توجد إرادة مجتمعية حقيقية لتطوير صناعة الدواجن، لذا يجب توحيد الجهود فى مسار واحد، واقترح إنشاء مجلس أعلى للدواجن يجمع كل التخصصات والمهتمين بصناعة الدواجن تحت قيادة وزارة الزراعة ويكون دورها تنظيميا ورقابيا وإرشاديا لمساعدة اتحاد منتجى الدواجن فى حل المشاكل التى تواجهه. مبادرة البنك المركزي على جانب آخر تقول الدكتورة منى محرز نائب وزير الزراعة لقطاع الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية أن الدولة اتخذت حزمة من الإجراءات لدعم صناعة الدواجن من بينها إنشاء شركة مساهمة أو مجموعة شركات برأس مال من 100 إلى 500 مليون جنيه، لتنسيق حلقات الإنتاج وأداء نظام تسويقى أكثر كفاءة، وتطوير المزارع المقامة فى مواقع تتفق مع الاشتراطات الوقائية الحيوية وتحديدًا مجالات وفرص الاستثمار فى أنشطة قطاع الإنتاج الداجنى والخدمات الداعمة له، كما تتضمن الخطة توفير احتياجات مزارعى الذرة الصفراء من التقاوى عالية الإنتاج، موضحة أن مصر تخطو خطوات واسعة لتعزيز إنتاجها من الأعلاف للحد من الاستيراد، وفيما يخص التمويل وبروتوكولات التعاون لمشروعات الإنتاج الداجنى الصغيرة والمتوسطة، تمت الاستفادة من مبادرة البنك المركزى بتوقيع بروتوكولات للتعاون مع بنك الإسكندرية والبنك الأهلى لتوفير قروض ميسرة بنسبة فائدة 5% متناقصة يتم منحها للمربين بالقطاع، بشرط تطوير نظام إدارة المزارع وتحويلها من النظام المفتوح إلى النظام شبه المغلق، والمغلق بما يحقق معايير الأمن الحيوى ويؤدى للحد من انتشار الأوبئة بين المزارع. وأشارت إلى أن إجمالى استهلاك مصر من الدواجن يصل إلى 700 ألف طن سنويا، فى وقت تنتج فيه مزارع الدواجن نحو 2.5 مليون دجاجة يوميا لتلبية احتياجات السوق وسد الفجوة بين العرض والطلب، ويصل عدد مزارع الدواجن إلى نحو 47 ألف مزرعة، ويبلغ عدد المزارع المرخصة رسميا نحو 20 ألف مزرعة ويعمل العدد الباقى خارج المنظومة الرسمية، ويصل إجمالى عدد المستثمرين فى مجال الإنتاج الداجنى الي23 مستثمراً. وأضافت أنه سبق توقيع 4 عقود لإقامة 5 مشروعات للاستثمار الداجنى بمحافظات «قنا- سوهاج- بنى سويف- مطروح» بهدف زيادة حجم الإنتاج وتشجيع الصناعات القائمة عليها، و المساحة الإجمالية لهذه المشروعات بلغت حوالى 12 ألفاً و275 فداناً بنظام حق الانتفاع لمدة 30 عاما ًلصالح 4 شركات، حيث بلغ إجمالى استثمارات المشروعات الأربعة حوالى مليار و433 مليوناً و600 ألف جنيه. المزارع الداجنة ولفتت دكتوره منى محرز النظر إلى موافقة مجلس الوزراء أخيرا على إقامة مجمع للاستثمار الداجنى المتكامل، على مساحة 27 ألفاً و437 فداناً، بمنطقة جنوب شرق المنخفض بمحافظة الجيزة، لصالح إحدى الشركات بنظام حق الانتفاع، ويشمل المجمع مزارع تسمين وجدود وأمهات ومعمل تفريخ ومصنعاً للأعلاف ومجزراً للدواجن، وتبلغ الطاقة الإنتاجية الإجمالية للمشروع حوالى 55 مليون دجاجة. سوق الدواجن ويقول الدكتور عبد العزيز السيد رئيس شعبة الدواجن بغرفة القاهرة: توجد 8 شركات كبرى تتحكم فى سوق الدواجن، رءوس أموالها تصل لمليارات الجنيهات وترفض تحديد أى هامش لأرباحها من حركة البيع، أو وضع أسعار استرشادية لضبط السوق، وارتفاع أسعار الأعلاف وانتشار الأمراض الوبائية من أهم العقبات التى تواجه صغار المربين، كما أن تدنى أسعار بيع الدواجن والتوسع فى الاستيراد من أكبر مشكلاتهم.وأوضح أنه توجد خسارة لا تقل عن 5 جنيهات فى الكيلو للمربي، على الرغم من وفرة الإنتاج الذى يصل ل1.7 مليون طائر يوميا، ويرجع ذلك إلى ارتفاع التكاليف، حيث تستورد مصر 80% من مستلزمات الإنتاج، وخاصة من الأعلاف والأمصال، ودور الغرفة هو رصد المشكلة وإيجاد الحلول المناسبة لها وعرضها على الجهات المسئولة - ممثلة فى وزارة الزراعة ومجلس الوزراء - لاتخاذ القرار المناسب، موضحا أنهم منذ عام 2006 وهم يتحدثون عن المشكلات التى تواجه القطاع وتعاقب على ذلك 9 وزراء زراعة ووعدوا جميعا بإعادة هيكلة الصناعة وإيجاد حلول، إلا أن الأمر مازال «محلك سر»!! غياب التسويق فيما يرى النائب سيد حسن، عضو لجنة الزراعة بمجلس النواب أن من أبرز التحديات التى تواجه صناعة الدواجن هى الأمراض التى تصيبها، وخاصة فى فصل الشتاء، وارتفاع أسعار التطعيمات واللقاحات وعدم وجود مصانع لإنتاجها والاضطرار للاستيراد من الخارج بمبالغ كبيرة، مما ينعكس على تكاليف إنتاج الكتكوت والأسعار بصفة عامة والغش التجارى لبعض اللقاحات التى تنتج محليا وإغفال الرقابة عليها، بالإضافة إلى تعدد حلقات التداول التى تقل معها فاعلية الدواء المستورد من الخارج، وغياب الأمان الحيوى والبعد عن المناطق السكنية لأنه يمثل إهدارا للمال العام وعدم تنظيم الاستيراد لبحث أوقات الفجوات، لأننا نستورد 10% تقريبا من احتياجاتنا من الدواجن.. بالإضافة إلى غياب التسويق الجيد للمنتج وتعدد الحلقات الوسيطة مما يرفع سعر المنتج وهذه الحلقات لا يوجد عليها أى التزام ضريبى تجاه الدولة وتحصل على النسبة الأكبر من الأرباح، وأيضا عدم وجود تسعير عادل للمحاصيل التى يزرعها الفلاح. وطالب النائب وزارة الزراعة بتشجيع زراعة الذرة الصفراء وفول الصويا وإرشاد الفلاح بأهميتهما، ويرجع ذلك لغياب سياسة واضحة لسعرهما، مما يجعل الفلاح يتجاهل زراعتهما، وزراعات فول الصويا أصبحت أقل مما كانت عليه فى الماضي، فضلاً عن ضرورة توفير الأمصال واللقاحات البيطرية لمواجهة الأمراض الوبائية فى الدواجن والتوسع فى إقامة مزارع الدواجن فى الظهير الصحراوى للمحافظات، والعمل على نقل المزارع الموجودة فى العشوائيات، مع تطوير منظومة إنتاج الأعلاف التى تشكل 70% من صناعة الدواجن. «قديمة حديثة» ويصف الدكتور ثروت الزينى نائب رئيس الاتحاد العام لمنتجى الدواجن مشكلات قطاع الدواجن فى مصر بأنها «قديمة حديثة» فهى معروفة لجميع العاملين بهذا القطاع سواء الحكومى أو الخاص، ولا ينقصنا سوى الإرادة الحقيقية فى مواجهة التحديات التى تواجه هذه الصناعة بشكل حاسم، وحل أزماتها يكمن فى عدة نقاط من أهمها إعادة هيكلة البورصة فى بنها وإجبار التجار والسماسرة على التعامل معها، لأن غياب السلطة التنفيذية عن المنظومة من أسباب انفلات الأسعار، فبورصة الدواجن ليست مكانا فقط، ولكنها وسائل اتصال لجمع المعلومات مجهزة بالتقنيات الحديثة، لحصر الإنتاج والعرض والطلب، وبناء عليه يتم تسعير الدواجن بشكل يراعى التكلفة، مؤكدًا أن بورصة الدواجن يقوم بها القطاع الخاص، وبإشراف حكومي، لأنها بوضعها الحالى عبارة عن مجموعة من السماسرة ولا توجد بورصة حقيقية تحدد الأسعار وفق تكاليف الإنتاج.. وهى تساعد على القضاء على الوسيط وفروق الأسعار، ووصول المنتج بسعره الحقيقى للمستهلك والمنتج فى نفس الوقت، وقد تم الانتهاء من 50% من قاعدة بيانات وإحداثيات مزارع الإنتاج التى تترأسها وتشرف عليها الدكتورة منى محرز، موضحًا أن الهدف من رفع إحداثيات مزارع الدواجن، إجراء مسح شامل للمزارع الصغيرة والمنتجة ..وعلى أساسها يتم توفير قاعدة معلومات سليمة عن صناعة الدواجن بالكامل سواء مزارع أو مصانع أعلاف أو مجازر أو معامل تفريخ، وبناء عليها يتم عمل بورصة علمية متطورة للدواجن هدفها إعطاء الحق لأصحابه لا تظلم المربى ولا المستهلك، وبالسعر الحقيقي، وأخيرا وضع منظومة جديدة للثروة الداجنة لمنع العشوائية فى صناعة الدواجن. د.نبيل درويش ود. منى محرز