محمد أمين المصري لم يكن كشف الخارجية المصرية الأخير بشأن المطلب الليبي بتسلم أربعة من عناصر النظام الليبي السابق بتهم تتعلق بتهريب مئات الملايين من ثروات الشعب الليبي, سوي مجرد حلقة من حلقات المتابعة الليبية- الدبلوماسية والقانونية لإغلاق هذه الملف الذي يحظي بأولوية قصوي في الاهتمامات الليبية علي المستويين الشعبي والحكومي تجاه تدشين علاقات جادة بين القاهرةوطرابلس. أما وإن تعلن مصادر بالخارجية ان مصر أكدت للجانب الليبي انها علي استعداد لتسليم عناصر النظام الليبي السابق الموجودين في مصر, فهذا كلام لا يمت للواقع بصلة, لا سيما وان المصدر الدبلوماسي اشار في تصريحات نشرت اخيرا ان المطلوب من جانب طرابلس الالتزام بالطرق القانونية لتسلم هؤلاء المواطنين الليبيين. ولم يكن مهما في التصريحات ان تطلب مصر من الجانب الليبي تحديد قناة اتصال محددة في وزارة العدل الليبية لتسهيل تبادل المعلومات واستيفاء الاجراءات القانونية.. بيد ان الأهم في التصريحات الإشارة الي ان الجانب الليبي لم يستوف هذه الإجراءات بعد, وهنا تكمن المشكلة إن لم تكن الأزمة. وأصل الحقيقة هو ان وزارة العدل الليبية في عهدة الوزير المستشار علي حميدة عاشور اكدت ان مكتب النائب العام الليبي سلم مذكرة اعتقال الي السلطات المصرية والتي تطالب بتسليم رجال النظام السابق المقيمين في مصر والذين ارتكبوا جرائم ضد المواطنين او ممن شاركوا في نهب وسرقة الاموال الليبية وتهريبها الي الخارج. كما ان نفس المكتب وزع مذكرة الاعتقال علي الانتربول الدولي, وطبيعي ان يتسلمها الفرع المصري للانتربول. والجزء الأخر من الحقيقة هو تعهد السلطات المصرية للجانب الليبي باعتقال الليبيين المنتمين للنظام السابق الذين يقيمون حاليا في مصر, خاصة في ظل معلومات مؤكدة انهم نهبوا أموالا تقدر بمليارات الدولارات, ومن شأنها المساهمة في اعادة اعمار ليبيا التي تضررت كثيرا إبان فترة حكم معمر القذافي ويؤكد واقع ثورات الربيع العربي ان كل شعوبها لم تعان فقط من القمع والظلم من أنظمتها وإنما من نزيف ثرواتها وتهريبها للخارج, مثلما حدث تماما مع مصر ومحاولاتها القانونية لاسترداد هذه الأموال, وبالتالي يضع الليبيون هذا الملف نصب أعينهم بل يضعه البعض كحجر عثرة أمام تدشين علاقات علي مستوي الندية وليست مجرد جمل انشائية. واتذكر خلال زيارة للعاصمة طرابلس في يناير الماضي تزامنت مع زيارة المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري انذاك ورغم الاجواء الترحيبية من جانب المستشار مصطفي عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي, ان نظمت منظمات حقوق الانسان وقفة في فندق كورنتيا الذي شهد لقاءات طنطاوي- عبد الجليل لمطالبة السلطات المصرية بتسليم رؤساء الاجهزة الامنية والبوليسية للنظام الليبي السابق وكافة اعوان ما يطلقون عليه المقبور معمر القذافي.. واشار ممثلو تلك المنظمات الي خطورة وجود هؤلاء اعداء الشعب الليبي في مصر ومعهم الأموال الطائلة المنهوبة من الشعب الليبي. كما اشارت المنظمات الحقوقية الي ان هؤلاء يستغلون تلك الأموال المنهوبة ضد أمن وحرية الشعب الليبي. واذا كان ما سبق ذكره هو واقع, فإن الصدفة فقط هي التي جمعت بين موعد نشر خبر الخارجية المصرية المشار اليه وتدشين حركة صدي ليبيا لأولي مؤتمراتها السياسية بالقاهرة والذي شدد علي اهمية المصالحة بين ابناء الوطن, والسماح للعائلات الليبية التي تعيش في الخارج بالعودة الي بلادها وانهاء حالة الاقصاء, مع التأكيد علي ان ليس كل من خارج ليبيا هو فاسد او تابع للنظام السابق.وبالتالي, يمكن للدبلوماسية والجهات القانونية المصرية ان تلتقي بقادة تلك الحركة والتوصل الي تفاهمات معهم بشأن اسماء المطلوبين والتحقق منهم هل هم ابرياء ام متورطين حقا في نهب الاموال الليبية. واعتقد ان حركة صدي ليبيا ستكون خير معين للجانب المصري في مهمته, في ظل آمال بان يأتي اعادة تأسيس العلاقة المصرية- الليبية في اطارها الصحيح, وهو ما يتطلب وضع خريطة طريق لترسم شكل عملية التعامل بين البلدين, يكون فيها تأمين الحدود عملا ضروريا بين الطرفين لتكون العلاقة الاستراتيجية والأمن القومي لمصر ولليبيا أمنا متكاملا. وبديهي ونحن نتحدث عن تعديل في مسار العلاقات, ان تتحرك مصر بقوة خلال الفترة المقبلة للمشاركة في اعادة بناء ليبيا, فالتواجد المصري مطلوب وبشدة أيا كان نوع هذا التواجد. فالعلاقة بين مصر وليبيا ليست علاقة اختيار, بل هي ضرورة فرضتها حقائق الجغرافيا والتاريخ والاجتماع والمصاهرة وعلاقات النسبة وعلاقات الجاليات المصرية في ليبيا والعكس.