ننشر أسعار الذهب في بداية تعاملات الأربعاء 12 يونيو    أسعار اللحوم والأسماك اليوم 12 يونية    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأربعاء 112 يونيو 2024    وصول صناديق أسئلة امتحان مادتي الاقتصاد والإحصاء لمراكز التوزيع بحراسة أمنية مشددة    حبس شقيق كهربا في واقعة التعدي علي رضا البحراوي    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: موقف السيسي التاريخي من العدوان على غزة أفشل مخطط التهجير    الأصعب لم يأت بعد.. الأرصاد تحذر من ارتفاع الحرارة اليوم    هل يشترط صيام يوم عرفة بصوم ما قبله من أيام.. الإفتاء توضح    ماذا يحدث داخل للجسم عند تناول كمية كبيرة من الكافيين ؟    جدول مباريات اليوم الأربعاء.. الجولة الرابعة من الدورة الرباعية المؤهلة إلى الدوري المصري    ارتفاع أسعار النفط وسط تفاؤل بزيادة الطلب    محاكمة عصام صاصا في اتهامه بتعاطي المخدرات ودهس عامل.. اليوم    دون إصابات.. إخماد حريق عقار سكني بالعياط    ET بالعربي: "خطوبة شيرين عبد الوهاب على رجل أعمال.. وحسام حبيب يهنئها    الجيش الأمريكي: تدمير منصتي إطلاق صواريخ للحوثيين في اليمن    استشهاد 6 فلسطينيين برصاص إسرائيلي في جنين بالضفة الغربية    «مشكلتنا إننا شعب بزرميط».. مصطفى الفقي يعلق على «نقاء العنصر المصري»    شولتس ينتقد مقاطعة البديل وتحالف سارا فاجنكنشت لكلمة زيلينسكي في البرلمان    تتخطى ال 12%، الإحصاء يكشف حجم نمو مبيعات السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي    حكم الشرع في خروج المرأة لصلاة العيد فى المساجد والساحات    اتحاد الكرة يحسم مشاركة محمد صلاح في أولمبياد باريس 2024    هيئة الدواء: هناك أدوية ستشهد انخفاضا في الأسعار خلال الفترة المقبلة    تأثير التوتر والاكتئاب على قلوب النساء    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    فيديو صام.. عريس يسحل عروسته في حفل زفافهما بالشرقية    رئيس الأساقفة جاستين بادي نشكر مصر بلد الحضارة والتاريخ على استضافتها    رئيس لجنة المنشطات يفجر مفاجأة صادمة عن رمضان صبحي    عيد الأضحى 2024.. الشروط الواجب توافرها في الأضحية والمضحي    أيمن يونس: أحلم بإنشاء شركة لكرة القدم في الزمالك    عاجل.. تريزيجيه يكشف كواليس حديثه مع ساديو ماني في نهائي كأس الأمم الإفريقية 2021    أوروبا تعتزم تأجيل تطبيق أجزاء من القواعد الدولية الجديدة لرسملة البنوك    هذا ما يحدث لجسمك عند تناول طبق من الفول بالطماطم    "بولتيكو": ماكرون يواجه تحديًا بشأن قيادة البرلمان الأوروبي بعد فوز أحزاب اليمين    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج ب عيد الأضحى: كل عام وأنتم بخير    الكويت: ملتزمون بتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتنفيذ الدمج الشامل لتمكينهم في المجتمع    رسميًا.. تنسيق الثانوية العامة 2024 في 5 محافظات    الفرق بين الأضحية والعقيقة والهدي.. ومتى لا يجوز الأكل منها؟    هل الأضحية فرض أم سنة؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    البنك المركزي المصري يحسم إجازة عيد الأضحى للبنوك.. كم يوم؟    ظهور حيوانات نافقة بمحمية "أبو نحاس" : تهدد بقروش مفترسة بالغردقة والبحر الأحمر    والد طالب الثانوية العامة المنتحر يروي تفاصيل الواقعة: نظرات الناس قاتلة    تحرك جديد من الحكومة بشأن السكر.. ماذا حدث؟    يوسف الحسيني: القاهرة تبذل جهودا متواصلة لوقف العدوان على غزة    حازم إمام: نسخة إمام عاشور فى الزمالك أفضل من الأهلي.. وزيزو أفيد للفريق    برلماني: مطالب الرئيس ال4 بمؤتمر غزة وضعت العالم أمام مسؤولياته    رئيس جامعة الأقصر يشارك لجنة اختيار القيادات الجامعية ب«جنوب الوادي»    63.9 مليار جنيه إجمالي قيمة التداول بالبورصة خلال جلسة منتصف الأسبوع    رمضان السيد: ناصر ماهر موهبة كان يستحق البقاء في الأهلي.. وتصريحات حسام حسن غير مناسبة    تريزيجية: "كل مباراة لمنتخب مصر حياة أو موت"    بالفيديو.. عمرو دياب يطرح برومو أغنيته الجديدة "الطعامة" (فيديو)    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل قصواء الخلالى: موقف الرئيس السيسي تاريخى    عصام السيد يروى ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    رويترز عن مسئول إسرائيلي: حماس رفضت المقترح وغيّرت بنوده الرئيسية    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية بلة المستجدة ببني مزار    شيخ الأزهر لطلاب غزة: علّمتم العالم الصمود والمثابرة    قافلة مجمع البحوث الإسلامية بكفر الشيخ لتصحيح المفاهيم الخاطئة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المايسترو كمال هلال.. من ملجأ فى شبين الكوم إلى قيادة الأوركسترا العالمية..
اتهمونى بحرق القاهرة وسجنونى 6 أشهر!
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 08 - 2018

طموحاته تتميز بالإصرار، وخطواته ترتبط بالتأنى، وموهبته تحمل الأصالة والتجديد، حفر فى الصخر حتى يصبح « كمال هلال» الملحن والعازف، وقائد الأوركسترا، وأول قائد مصرى للموسيقى العالمية فى مصر، والذى كان له السبق فى تطوير الموسيقى والأغنية المصرية ووصولها للعالمية، قصة حياته وحبه وعشقه للموسيقى قدوة ومثل أعلى لمن يريد التعلم، هبوب الرياح والأعاصير والأمطار التى قابلته فى حياته لم تثنه عن تكملة مشواره الفنى، أتاحت له ظروف انطلاقته معاصرة اساطين الموسيقى والغناء، وتحقيق النجاح عندما كان الناجحون عمالقة، ورغم نجاحه الباهر فى الخارج، ورفع اسم بلده عاليا، فوجئ بأن هذا النجاح فى مصر يخذله بعد أن تحول إلى إدانة ضده، وتهمة تطارده، وحروب خفية تشن على مشاعره وأعصابه، ويلون مشاعره كإنسان بالعزلة، ويكسر حلمه كفنان بإحساس اسمه القهر والغدر.
صور الماضى التى استعادها فى ذاكرته فى أثناء حوارى معه اثارت شجونه، وتمالك نفسه من البكاء أكثر من مرة، تذكر سنوات فقره وعشقه للموسيقى، وفشله، ونجاحه، والحروب التى يشنها ضده حتى الآن أعداء النجاح أبرزهم تلميذه المايسترو أحمد الصعيدى، وقبله صالح عبدون، وتذكر وضعه الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام أبرزهما «المتمردون» لتوفيق صالح، «ولن أغفر ابدا» لسيد طنطاوى، كما تذكر عمله مع فرقة رضا، وتوزيعه لأوبريت « مصر بلدنا» لفايزة أحمد ومحمد سلطان، وأيضا عمله مع سمير صبرى، واستمر عملاق مصر المنسى المظلوم «كمال هلال» فى استحضار الذكريات وكان الحوار التالى.....
لكل إنسان ماضٍ وذكريات مختلفة ومتنوعة، ما بين ذكريات سارة أو مؤلمة، وكثيراً ما يحلو لكل منا أحيانا أن يجتر مفردات وتفاصيل هذه الذكريات البريئة وسط المشاغل والضغوط والمسئوليات والأعباء اليومية، لو تحدثنا عن ذكريات الموسيقار كمال هلال مع طفولته ماذا يتذكر؟
بابتسامة واهنة وبصوت مليء بالمرارة سألني: ضرورى السؤال ده؟ وبعد إلحاح منى، قال بابتسامة لطيفة وهدوء: قصة حياتى دراما خطيرة تصلح للسينما، فطفولتى لم تكن سعيدة بالمرة، وأيام السعادة فيها لا أذكرها، حيث نشأت فى حى القلعة هذا الحى العريق فى بيت متواضع لأسرة فقيرة جدا، مات عائلها الوحيد فاضطر أشقائى الكبار للعمل فى مهن بسيطة، حتى يستطيعوا مواصلة الحياة، فعمل شقيقى الأكبر حمادة «نقاشا» وهى نفس مهنة والدى، واشتغل أخى أحمد كترزى.
وبعد سنوات قليلة من مولدى وكنت آخر العنقود، عملت فى أكثر من مهنة حيث اصطحبنى شقيقى أحمد معه للعمل كترزى، وبالفعل اشتغلت معه وهو الذى أطلق على اسم كمال، لأن اسمى الحقيقى عبدالرحمن، والحقيقة إننى ورغم صغر سنى أحببت اسمى الجديد الذى أطلقه على أخى أحمد، ووجدت فيه موسيقى تناسب وتتناغم مع اسم هلال.
وبعد فترة عملت كموجى، ثم كحداد، وفى كل هذه المهن كنت أتميز بالشقاوة الشديدة، وعندما كنت أسأل عن ملامح والدى كانت أمى تقول لى إنظر لشقيقك الأكبر حمادة فهو صورة طبق الأصل من والدك، وأثناء ذلك التحقت بالمدرسة الابتدائية بجوار جامع ابن طولون، ونظرا لشقاوتى كنت أهرب من المدرسة مع مجموعة من زملائى ونجلس فى حديقة ابن طولون.
وفى إحدى المرات ذهبنا أنا ووالداتى لزيارة شقيقتى «عزيزة» المتزوجة التى تعيش فى شبين الكوم مع زوجها وأولادها الخمسة، ومرت أيام الاجازة بسعادة وهنا وسرور، وفى أحد الأيام وأثناء لعبى فى الشارع، وجدت فرقة موسيقية من الشباب تعزف موسيقى جميلة جدا، وتجوب شوارع المدينة، فأعجبنى عزفها جدا، ومشيت أنا وبعض الأولاد وراءها، ننتقل من شارع إلى حارة، إلى أن دخلت مكانا كبيرا له سور عال وأغلق البواب الباب وراء الفرقة.
ورجعت وحكيت لشقيقتى وزوجها بانبهار شديد ما رأيت وما سمعت، وعندما سألت عن والدتي؟ قالوا لى إنها رجعت مصر! بتقولوا أيه رجعت مصر من غيري؟!! طبعا أصيبت كطفل بحالة الذعر، والبكاء الشديد، وبعد مرور أكثر من يوم، هدأت، وفى أحد الأيام أصطحبنى زوج شقيقتى لنفس المكان الذى دخلت فيه الفرقة الموسيقية، واكتشفت فيما بعد أن هذا المكان هو ملجأ للأيتام، ومكثت فى هذا الملجأ حوالى ست سنوات، لم يزرنى فيها أحد من أهلى.!
ما السبب الذى كان وراء دخولك الملجأ؟!
بحزن شديد قال: ظروفهم المادية الصعبة، فأختى ست بيت وزوجها يعمل بأجر بسيط كحارس لاستراحة المستشارين، ولديهما خمسة أطفال، ونفس الظروف المادية الصعبة يعانى منها أشقائى ووالدتى فى القاهرة، ويبدو والله أعلم انهم كانوا متفقين مع والدتى على هذا الحل.
ما الأشياء التى تتذكرها من فترة وجودك فى الملجأ خاصة وانها فترة طويلة حوالى ست سنوات؟
بعد ثوان من التفكير وعلى وجهه ابتسامة عذبة قال: ياااااااه أشياء كثيرة فلا يمكن أن أنسى ست إيطالية كانت ينبوع حنان وعطف وأما لكل أطفال الملجأ اسمها «ماما هداية»، هذه السيدة عوضتنى عن افتقادى لحنان أمى، كما تعلمت أشياء كثيرة فى الملجأ أو المدرسة الداخلية كما أحب أن أطلق عليها منها القراءة والكتابة، وأهمها الموسيقى التى أكرمنى الله بحبها حتى يسهل لى طريقى، وبالمناسبة حب الموسيقى زرعه الله سبحانه وتعالى بداخلى منذ كنت طفلا صغيرا فى حى القلعة، فأتذكر اننى فى سن ست أو سبع سنوات كنت أدخل سينما «رمسيس» فى العتبة، بقرش صاغ، وكذلك سينما «أولمبيا»، وكان أهم ما يلفت انتباهى وسمعى الموسيقى الموجودة فى الأفلام الأجنبية، ولا أعرف لماذا؟ وعندما شاهدت أفلام الموسيقار محمد عبدالوهاب، وكذلك أفلام أم كلثوم، أصابتنى حالة من المتعة الشديدة بسبب الموسيقى والأغنيات.
وكان فى الملجأ أستاذ للموسيقى اسمه «متولى عبدالرحمن» هو الذى علمنى العزف على بعض الآلات الموسيقية، وكان يجب أن أتعلم مهنة اخرى بجوار القراءة والكتابة وعزفى على بعض الآلات الموسيقية، حتى تنفعنى وأستند إليها عندما أخرج، فتعلمت صناعة الأحذية والحقائب الجلدية.
بعد خروجك من الملجأ الذى عشت فيه حوالى ست سنوات ماذا فعلت؟
كان يوما صعبا جدا، «هخرج أروح فين؟!» وأثناء خروجى وجدت مدرس رياضة اسمه عبدالعزيز فهمى واقفا على الباب، فسألته وأنا خائف ومتردد: يا أستاذ أنا بحب الموسيقى جدا ونفسى أكون موسيقيا كويس أعمل أيه؟! فقال لي: «أى مكان تستقر فيه اسال الناس الموجودين فيه، مافيش مكان هنا لتعلم الموسيقى»، وكانت هذه النصيحة هى الباب السحرى الذى دخلت منه عالم الموسيقى.
فبعد عودتى لوالدتى فى حى القلعة وكان يوما دراميا صعبا، سألت بعد أن هدأت نفسى عن مكان لتعلم الموسيقى، فدلونى على معهد «إبراهيم شفيق»، وهو معهد خاص غير رسمى وبالفعل التحقت به، وقابلت هناك المطرب محمد قنديل، والموسيقار على فراج، وعازف العود الشهير محمد جمعة، وتوطدت بينى وبينهم أواصر الصداقة، وتعلمت فى المعهد قراءة وكتابة النوتة الموسيقية.
وفى هذه الفترة قابلتنى مشكلة كبيرة جدا هى عدم وجود آلة موسيقية خاصة بى أعزف عليها، وظروف أمى وأشقائى المادية لا تسمح أن أطلب منهم «فلوس» لشراء آلة موسيقية، وأثناء تجوالى فى ميدان الأوبرا عثرت على محل إيطالى لبيع الآلات الموسيقية، ودخلت وتحدثت مع صاحب المحل وطلبت منه أن أشتغل فى المحل، وكان الله كريما معى فوافق الرجل.
وبالفعل إلتحقت بالعمل فى المحل، وكانت سعادتى لا توصف، فكنت أحتضن الآلات وأقبلها من شدة حبى للموسيقى، وبعد عملى لشهور، توفر معى المبلغ المطلوب لشراء آلة «التشيللو»، فاشتريتها، وتركت العمل، وكنت يومها أسعد شاب فى مصر، فكنت أجمع شباب القلعة وأجلس بعد صلاة العشاء وغلق جامع «الرفاعى»، وأعزف لهم ما يطلبونه من أغنيات شهيرة.
عملت فى فرقة الفنان الكبير على الكسار ماهى ظروف عملك بهذه الفرقة؟
فى فترة البدايات، أى تكوينات فنية تبدأ كنت أذهب للعمل معهم، وفى أحد الأيام ذهبت من تلقاء نفسى للعمل فى مسرح على الكسار فى روض الفرج، وكان الكسار يومها فى أوج نجوميته، وقابلت المسئول عن فرقته الموسيقية وطلبت منه أن أعمل معه، فقال لي: أنا موافق بس بشرط أن أستمع إلى عزفك، ولو عجبنى فستعمل معانا، ومن حسن حظك أن غدا ستنضم إلينا مطربة جديدة، وستعزف معاها، وفى اليوم التالى انتظرت المطربة الجديدة، ففوجئت بطفلة صغيرة يصطحبها شقيقها الأكبر، هذه الطفلة هى نجاة الصغيرة، وكانت بصحبة شقيقها الملحن عز الدين حسنى، وتربطنى بنجاة علاقة جميلة جدا، فوالداها كان بمثابة أب لى، فشقته كانت فوق محل الآلات الموسيقية الذى عملت فيه لفترة، وكان يحبنى ويعطف على كثيرا.
المهم عجبنى جدا مقدرة نجاة رغم صغر سنها على غناء أغنيات كوكب الشرق أم كلثوم بكل مهارة وتمكن، ويومها توقعت لها النجومية الكبيرة، وفى كل يوم كانت تغنى وأنا أعزف معها، وقابلت عند «على الكسار» أيضا الموسيقار الكبير حسن أبوزيد الذى قدم الكثير من الصور الغنائية والمقطوعات الموسيقية للإذاعة المصرية، وكان يعزف بين فصول المسرحيات على «البيانو»، وتوطدت العلاقة بيننا وطلب منى أن أصاحبه على العزف على آلة «التشيللو»، أثناء عزفه.
هل قابلت على الكسار أو بينك وبينه مواقف لا تنسى؟
قابلته كثيرا بحكم عملى فى مسرحه، وكان رجلا طيبا وفى حاله، لكن لم تجمعنى به أى مواقف، فهو كان نجما كبيرا، له مكانته الخاصة، وأنا مجرد شاب هاو أتلمس طريقى، أعزف مع نجاة بين فصول مسرحياته، وثانيا كان عملى واحتكاكى مع قائد فرقته الموسيقية فقط.
بعد ذلك التحقت بمعهد الموسيقى المسرحية كيف التحقت بهذا المعهد؟
أثناء دراستى فى معهد شفيق، نصحنى البعض بالذهاب لمعهد الموسيقى المسرحية، وفى هذه الفترة لم يكن معى شهادات لكن المعهد كان يقبل الطلاب دون التقيد بمسألة الشهادات، وبالفعل التحقت بالمعهد وتخصصت فى العزف على آلة «التشيللو»، وكان معظم الأساتذة الذين يدرسون لنا من الإيطاليين والأجانب.
وفى أحد الأيام تقريبا نهاية الأربعينيات تحديدا عام 1949 أو بداية عام 1950 إنتهيت من بروفه فى معهد الموسيقى العربية، وكنت أسير فى شارع التوفيقية فى وسط البلد، فسمعت «الريجيسير» الشهير قاسم وجدى يتحدث من مكتبه مع مجموعة من الكومبارس عن ضرورة تواجدهم غدا لتصوير مشهد «المولد» مع الموسيقار الكبير محمد فوزى والفنانة تحية كاريوكا فى فيلم «بنت باريز» الذى سيصور فى إستديو «الأهرام»، ونظرا لحبى لمحمد فوزى، قلت لنفسى لماذا لا أذهب وأراه عن قرب؟.
وبالفعل سألت عن استديو «الأهرام»، وذهبت إلى هناك، وظهرت فى مشهد «المولد» مع الكومبارس، ومحمد فوزى يغنى «حقوله أيه، ويقولى أيه»، وأعجبتنى الأغنية جدا، وفى اليوم التالى ذهبت لمكتب محمد فوزى فى «باب اللوق» وكان مكتبه فى الدور الأول علوى، فوقفت تحت الشباك أغنى «حقوله ايه ويقولى ايه»، وبعد دقائق جن جنون فوزى، لأن الأغنية جديدة ولم تطرح بعد ولم يسمعها أحد، فكيف وصلت لهذا الشاب؟! فطلب منى الدخول لمكتبه، وقال لى وهو ثائر: أنت حرامي! الأغنية دى بتاعتى ولسه جديدة ولم يسمعها أحد، فكيف وصلت إليك؟! فحكيت له ما حدث فهدأ وتفهم الأمر وتركنى أمشى.
ذكرت لى قبل التسجيل انك شاهدت حريق القاهرة عام 1952 ورأيت كثيرا من المحلات ودور العرض تحرق أمام عينيك؟
بتنهيدة كبيرة رجع إلى الخلف برأسه وقال لي: لم أشاهد حريق القاهرة فقط ولكن تم اتهامى بإننى وراء حرق القاهرة!!!، وسجنت 6 أشهر! «مش قالت لك حياتى مليئة بالدراما الخطيرة».
وحدة وحدة واحك لى بالتفصيل كل ما جرى، خاصة انك تعتبر شاهد عيان على ما حدث فى هذا اليوم الشهير فى تاريخ مصر المعاصر؟
يوم حريق القاهرة، وبالتحديد يوم 26 يناير 1952، لم أكن تخرجت بعد فى معهد الموسيقى المسرحية، لكنى كنت منتشرا جدا كعازف، وكان لدى بروفة الساعة الحادية عشرة صباحا فى معهد الموسيقى العربية، وعندما ذهبت إلى المعهد فوجئت بأحد زملائى يسألني: أيه اللى جابك يا كمال، البلد بتتحرق! والبروفة تأجلت، فتركت آلة «التشيللو» فى المعهد وذهبت لرؤية الحريق خاصة وأنه كان قريبا جدا من معهد الموسيقى.
وكل مكان أذهب إليه أجد النار تلتهمه، ففى الفترة ما بين الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا والساعة الحادية عشرة مساء التهمت النار عددا كبيرا من أشهر المحلات التجارية فى مصر مثل شيكوريل، وعمر أفندى، وفنادق هامة جدا مثل «شبرد، ومتروبوليتان وفيكتوريا»، وكثير من دور العرض مثل «ريفولى، وراديو، ومترو، ومقاهى ومطاعم منها جروبى والأمريكين».
وفى هذا اليوم حاولت الرجوع لبيتى، لكن المواصلات توقفت تماما وأثناء سيرى مع مجموعة من الشباب، فجأة وجدت البوليس يركبنى سيارة شرطة مع مجموعة كبيرة جدا من الشباب، وذهب بنا إلى قسم شرطة باب الخلق.
وبعد فترة رحلونا إلى سجن القلعة، ومكثت فى سجن القلعة، حوالى ستة أشهر بتهمة حرق القاهرة، تعلمت فيها أشياء كثيرة وقابلت إناسا كثيرة من مهن مختلف، ورغم قسوة الحياة فى السجن، لكن استفدت منها جدا، «وفضلت فى السجن حتى قامت ثورة يوليو 1952» وصدرت اوامر بالإفراج عن المتهمين زورا وبهتانا فى حريق القاهرة.
لحنت فى بداية مشوارك أغنية بعنوان «هل ع الكون يوم جديد» للمطرب إبراهيم حموده، كيف حدث اللقاء بينكما؟
بابتسامة كبيرة قال لي: كيف عرفت هذه الأغنية؟ أنا نسيتها، هذه الأغنية هى أول عمل فنى قمت بتلحينه عام 1953، وكان إبراهيم حموده السبب فى تلحينها، حيث كانت تربطنى به علاقة صداقة وطيدة، وعرض على كلمات للشاعر الكبير فتحى قوره، وطلب منى تلحينها، ولحنتها من أجل خاطر عيونه لأنه كان يتمتع بالشهامة والرجولة، وأعتبره أحد أجمل الأصوات المصرية التى تعرضت للظلم.
فى نهاية الخمسينات سافرت إلى النمسا لدراسة فن التأليف الموسيقى، ماهى ظروف سفرك للخارج؟
بعد تخرجى فى معهد الموسيقى المسرحية، عملت كمدرس موسيقى فى مدرسة ابتدائية، فى منطقة بجوارسيدنا الحسين، لمدة ثلاث سنوات تقريبا، وأثناء ذلك كنت أعزف مع الفرقة الماسية بقيادة أحمد فؤاد حسن، وتردد اسمى بقوة فى الوسط الموسيقى والغنائى، وفى عام 1958 فكر المجلس الأعلى لرعاية الفنون وكان من بين أعضائه كوكب الشرق أم كلثوم، والموسيقار محمد عبدالوهاب، فى كيفية وجود متخصص مصرى فى قيادة الموسيقى العالمية، ولكى يحدث ذلك تم تشكيل لجنة فنية على أعلى مستوى برئاسة المايسترو «فرانزلتشاور» لاختيار فنان واحد من ضمن المُتقدمين للسفر للبعثة بعد اجتيازه للاختبار! وتقدم العشرات من الزملاء لكن ربنا وفقنى ونجحت فى الاختبار وكنت الترشيح الأول للسفر إلى النمسا، وتحديدا « أكاديمية فينا» كأول قائد مصرى يتم إعداده ليتخصص فى الموسيقى العالمية، لكن تدخلت الدكتورة سمحه الخولى عميد معهد «الكونسرفتوار»، هى وزوجها وأرسلا معى زميلى المايسترو الراحل يوسف السيسى، وفى هذه الفترة حاول عبدالحليم حافظ الذى كانت تربطنى به صداقة وطيدة حيث عزفت معه كثيرا فى الفرقة الماسية منعى من السفر، لكننى كنت مصمما.
قام بالتدريس لك مجموعة كبيرة من المتخصصين الأجانب وحصلت على أكثر من شهادة فى الموسيقى، نرجو أن تكلمنا عن نشاطك الفنى فى الأكاديمية؟
كانت مدة الدراسة حوالى ست سنوات، درست خلالها فن التأليف الموسيقى على يد «توماس كريستيان»، وحصلت على الدبلوم، كما حصلت على دبلوم قيادة الكورال مع الدكتور «راين هولد شميد»، كما دراست قيادة الأوركسترا على يد الأستاذ العالمى «هانز إشفارروفسكى»، فضلا عن دراسات خاصة مع الفنان العالمى «زولتان كوداى» بالأكاديمية العالمية بمدينة «نيس» الفرنسية، ورشحنى أستاذى لقيادة أول حفل مع الأوركسترا السيمفونى لمدينة «نيس»، وكتبت عن نجاحى بالحفل الجرائد الفرنسية.
كما قدمت حفلات فنية ناجحة بأكاديمية «فيينا» أثناء دراستى، ولعل أشهرها فى بداية الستينيات عندما قام أحد أساتذتى فى التأليف الموسيقى بإقامة حفل للذين يدرسون تأليف موسيقى، ويومها وقع اختيارى على أغنية «سالمة ياسلامة» لتطويرها بشكل أكاديمى ودربت عليها كورال «أكاديمية فيينا» باختلاف جنسياته، وقمت بقيادة الحفل بنجاح، ووضعت نسخة من هذا العمل فى المكتبة الفنية بأكاديمية فيينا، وبالمناسبة هذه الأغنية ليست من تلحين سيد درويش! كما هو معروف ولكن علمت بعد بحث طويل انها «فلكلور» مصرى كان يغنيها أهل باب الشعرية تحت عنوان «ناعمة يا غريبه أه يا ناعمة ياغريبه».
بعد انتهائك من الدراسة وحصولك على أعلى الشهادات فى التأليف الموسيقى وقيادة الأوركسترا، رجعت إلى مصر فى منتصف الستينات، ماهى ظروف هذه العودة؟
بعد كل هذه الشهادات العليا من أكاديمية «فيينا» بالنمسا والحفلات التى قدمتها على مسارحها، ومسارح فرنسا رجعت لمصر سعيدا بنجاحاتى التى حققتها بالخارج لوطنى الذى أنفق على لمدة 6 سنوات، لكى أصبح أول قائد مصرى للموسيقى العالمية فى تاريخ مصر، وكانت دار الأوبرا فى ذلك الوقت يديرها الصاغ «صالح عبدون» الذى تعود على التعاقد مع القادة والفنانين الأجانب، وفوجئ بوجودى وشهاداتى فحاربنى بشراسة حتى لا يُحرم من المزايا التى يحصل عليها من قادة الأوركسترا الأجانب الذين كانوا يدعونه لزيارة أوروبا كل عام!.
وفكرت يومها فى الذهاب لوزير الثقافة ثروت عكاشة، وبالفعل قابلته، وبعد تعريفى لنفسى، حيث كان يجهلنى تماما، طلبت منه أن تستفيد بلدى مصر منى بعد أن أنفقت على لمدة 6 سنوات كاملة، فضلا على تضحيتى بالعائد المادى الكبير جدا الذى كنت أجنيه من عملى فى الفرقة الماسية، وبعد ما شرحت له كل ما فعلته فى الخارج سألنى ماهى الآلة التى كنت تعزف عليها قبل سفرك؟! فقلت له: آلة التشيللو، فقال لي: اكتب ورقة واتركها عند السكرتيرة وستقوم بتدريس هذه الآلة بمرتب 80 جنيها، فقلت له: وماذا أفعل فى نفسى كقائد أوركسترا عائد من بعثة رسمية وتركت هذه الآلة 6 سنوات فكيف سأقوم بتدريسها؟! فقال لى الوزير: اكتب الورقة ثم نرى بعد ذلك ما سيتم فعله.
ولعدم اقتناعى بهذا الحل قررت العودة مرة أخرى إلى السويد، مع مُغنية الأوبرا المجرية «أيديت» التى تعرفت عليها وتزوجتها أثناء تعميق دراستها الأوبرالية بأكاديمية «فيينا»، وأنجبت منها ابنتى الثانية سميرة لتكون شقيقة لابنتى الكبرى وفاء من زوجتى الأولى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.