الديمقراطية كلمة مستمدة من كلمتين إغريقيتين: ديموس وتعنى الناس أو الشعب، و«قراطوس» وتعنى القوة: مجتمعين، فإن الكلمتين توكلان القوة إلى الشعب. إذن الديمقراطية تعنى الحكم فى يد الشعب، ولكن تطبيق هذه المنظومة لبالغ الصعوبة لأنه فى هذه الحالة يجب أن يكون الشعب بأكمله متساويا فى المكانة والتعليم والوعى وتعنى أيضا أن يعمل بآراء أفراد المجتمع أجمعين. إذا ما وُجد شعب متعلم منضبط ذو فروقات محدودة ومدرك لدوره الاجتماعى ولا يسمح لأحد أن يدفعه إلى اختيار شخص لا يرى فيه سمات العدل والمساواة أو لا يعمل لمصلحة الجميع وليس مجموعة بذاتها هنا تكمن الديمقراطية. وبما أن ذلك صعب المنال، فإن الديمقراطية تصبح بعيدة عن الحقيقة التى يعيشها العالم حتى فى الشعوب التى توهمنا بأنها تتبع الديمقراطية. العالم الغربى يوبخ ويستهزئ بمن لم يصل إلى مستوى الديمقراطية التى يتباهى بها. والحقيقة هى أن ديمقراطيته تهزمها الرأسمالية وتخضعها القوى الضاغطة. إن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وانتخابات الأحزاب وحتى انتخابات المحافظين فى الغرب ونخص الولاياتالمتحدةالأمريكية، يسيطر عليها نفوذ ذوى المال والعزوة ونفوذ الجماعات الضاغطة الذين يشكلون القرارات ويقلبون الموازين الانتخابية ثم ينتظرون المقابل. إن البنوك وشركات النفط والسلاح والأدوية والدخان وحتى شركات الأغذية كلها تسهم فى تمويل منتخب ما ليس اقتناعا بما سيفعله للوطن بل اقتناع بما سوف يمنحه لهم هذا وإلا لماذا يهدرون هذه الأموال؟ إن أسلوب الضغط على الحكومات عن طريق الجماعات الضاغطة (اللوبي) يعتبر قانونيا ومعترفا به فى الغرب. إن عملها ينطوى على تعديل أو تغيير المسار لصالح صناعة بعينها وعادة من يعمل فى لوبى ما كان يشغل وظيفة حكومية سابقة فى نفس المجال الذى يحاول الضغط فيه اليوم لذلك يكون قادرا على محاكاة ذوى المناصب وإقناعهم بتطلعاته. لا يوجد سقف محدد لما يصرف على مرشح من قبل المؤسسات فى الولاياتالمتحدةالأمريكية لذا نرى أن البلايين تصرف على إقناع المنتخبين بمرشح بعينه. فقد صرف على انتخابات الرئاسة والكونجرس فى الولاياتالمتحده سنة 2012 ستة بلايين دولار وصرف نفس المبلغ فى 2016 أيضا. أثبتت نتائج بحوث مركز جلوبال ريسيرش الكندى أن أكثر الجماعات الضاغطة فى الولاياتالمتحدة هو اللوبى الإسرائيلي. ليس بإمكان أى سياسى أن ينتخب فى أى منصب مهم أو حتى دخول البيت الأبيض دون التعاون مع اللوبى الإسرائيلى وحضور اجتماعات اللوبى السنوية، والشهادة بالعلاقة الإسرائيلية الأمريكية. كذلك فإن كل عضو فى الكونجرس مطالب بالتصويت دفاعا عن إسرائيل فى كل قضية وإلا واجه العواقب لأن نفوذ هذا اللوبى ممتد فى جميع أروقة الدولة. خلال الانتخابات الرئاسية التى اجتازها جورج بوش الابن فى سنة 2000 تمتع الحزب الجمهورى برخاء ملموس لأن المؤسسات الكبرى أدركت آنذاك قيمة اختيارها له خصوصا بوجود ديك تشينى بجانبه الذى كان حتى ترشحه لمنصب نائب الرئيس الأمريكى رئيسا لشركة هاليبرتون البترولية. تبرعت آنذاك شركات الدخان ب 7 ملايين دولار لحملته وشركة فيليب موريس للدخان تبرعت ب 8و2 مليون دولار بمفردها. وبالطبع سدد بوش الفاتورة عندما خفّض ضرائب الشركات الكبرى وعندما أسقط قضية ضد شركات الدخان كانت قد تكلفهم 100 بليون دولار. شركات الأدوية أيضا لها تأثير مماثل. هيلارى كلينتون مرشحة الرئاسة الأمريكية 2016 أخذت ثلاثمائة مليون دولار تبرعات من شركات الأدوية على أمل أن تدفع ثمن هذا التأييد إذا ما انتخبت كرئيسة للولايات المتحده. كذلك فى الولاياتالمتحدة فى سنة 2016 أسهمت شركات السلاح فى الحملات الانتخابية لكل أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى الذين لم يصوِّتوا مع قانون الحد من السلاح فيما بعد. أما الإعلام فمن البدهى أن يُستغل لما له من نفوذ فى توجيه الرأى العام للتجاوب مع من يرشح من قبل الرعاة والممولين وملاّك الجرائد حيث يسلط الضوء على مرشح بعينه. والجدير بالذكر أن ملاك وممولى الواشنطن بوست والنيويورك تايمز والإكونومست والهيفنجتن بوست ومنافذ الإعلام الكبرى مثل ال:CNN و CBCو BBC جميعهم تحت سيطرة إسرائيل ولديهم خطة وطيدة لتحقيق أهداف إسرائيل بوجود من يرعاهم فى البيت الأبيض أو فى الكونجرس أو فى أى منفذ سلطة. إذن فالعملية عملية خذ وهات.... وأين الديمقراطية من هذا النمط؟ وما يتبقى فى منهاج الديمقراطية قليل بالفعل لأن الديمقراطية موجهة ومبرمجة ومعنى ذلك يذهب الناخب الأمريكى إلى صناديق الاقتراع وهو مقتنع تماما بأنه يختار بمحض إرادته وأنه يعيش فى بلد ديمقراطى يتمنى أن يعيش فيه الآخرون. لمزيد من مقالات ◀ د. عزة رضوان صدقى