يلعب المال السياسى دورا مهما فى الانتخابات الأمريكية سواء الرئاسية أو التشريعية وأصبح ظاهرة لافتة مع تزايد حجم الأموال التى يتم إنفاقها فى كل انتخابات وتجاوزت 7 مليارات دولار فى انتخابات 2012. وفى انتخابات عام 2016 والتى تشمل الانتخابات الرئاسية وانتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى إضافة إلى انتخابات حكام الولايات يؤثر المال السياسى بشكل متصاعد ويمثل أحد الأوراق الحاسمة فى ترجيح هذا المرشح أو ذاك,وهو ما يطرح التساؤل حول مصداقية العملية الانتخابية والنموذج الديمقراطى الأمريكى, خاصة مع التسابق الكبير بين المرشحين على جمع التبرعات خاصة من جانب المرشحين هيلارى كلينتون ودونالد ترامب. وأوضحت ظاهرة المال السياسى إحدى قواعد اللعبة الانتخابية الأمريكية, حيث يأخذ شكل التبرعات من جانب الأفراد الطبيعيين أو الاعتباريين مثل الشركات والهيئات, لدعم حملات المرشحين, حيث ينظم القانون الأمريكى عملية التمويل السياسى والتى تشرف عليها هيئة الانتخابات الفيدرالية, حيث يحدد 2600 دولار لتبرعات الأفراد, بينما لم يضع سقفا محددا لتبرعات وتمويل الشركات والهيئات خاصة بعد القانون الشهير الذى أصدرته المحكمة الفيدرالية فى عام 2010 وعرف باسم اتحاد المواطنين والذى ينص على عدم وجود سقف محدد لتبرعات الشركات للمرشحين فى إطار ما اسماه حرية التعبير, كذلك حكم المحكمة العليا الصادر منذ عامين والذى يسمح بإنشاء لجان عليا للعمل السياسى تسمى بالسوبر باكس, وهى منظمات لا ترتبط مباشرة بحملة هذا المرشح أو ذاك، ولكن يحق لها تمويل الدعاية فى وسائل الإعلام المختلفة، وكل ذلك دون وضع حد أقصى للمبالغ المتبرع بها ودورها مهم فى توثيق عمليات التبرعات والكشف عن مصادرها. وفى أبريل 2014 أزالت المحكمة العليا القيود الموضوعة على إجمالى حجم المبالغ التى يستطيع الأفراد التبرع بها للحملات الفيدرالية والأحزاب السياسية، لأنها تعد انتهاكا لحرية التعبير، حيث كانت القيود المفروضة على هذه التبرعات هى إجمالى 4٫8 مليار دولار كل سنتين موجهة لجميع المرشحين، وإجمالى 7٫4 مليار دولار موجهة إلى الأحزاب السياسية. وقد أسهم ذلك فى تقنين هذه الظاهرة وإعاقة أية عمليات إصلاحية قانونية لها تحد من خطورتها, وهذه أحد الإخفاقات للرئيس أوباما فى إصلاح نظام التمويل الانتخابى فقد فشلت كل المحاولات منذ عهد الرئيس نيكسون. ويعود تزايد تلك الظاهرة يعود بشكل كبير إلى ارتفاع تكلفة الحملات الانتخابية والدعاية للمرشحين, فقد شهدت انتخابات التجديد النصفى للكونجرس فى عام 2014 زيادة ملحوظة فى التكلفة وصلت إلى 3٫7 مليار دولار، مقارنة ب3٫4, و3٫6 مليار دولار فى انتخابات 2010 و2012. ولذلك تحتاج الانتخابات إلى أموال طائلة لا يتمكن من تغطيتها سوى المرشحين الأثرياء, وهو ما يحد من مرشحى الطبقة الوسطى, كما أن جمع المرشح لأكبر عدد من الأموال هو انعكاس على جديته, والأخطر ما يسمى ظاهرة الأموال المظلمة أو السرية والتى لا يكشف عنها والتى تجاوزت 310 ملايين دولار فى الانتخابات الاتحادية فى عام 2012 ومتوقع أن تكون أسوأ فى انتخابات هذا العام. غير أن تفاقم ظاهرة المال السياسى فى الانتخابات الأمريكية تعكس العديد من الدلالات والتداعيات السلبية: أولها: تفريغ النموذج الديمقراطى الأمريكى من مضمونه الحقيقى وتجعل نتائج الانتخابات انعكاسا لأصحاب المصالح والشركات وليس مصالح الغالبية العظمى من الشعب, فالتبرعات تسهم فى تبنى وجهة نظر الأثرياء تجاه القضايا أو المرشحين الذين يسعون لإعادة تشكيل سياسات الاقتصاد الأمريكى لصالح طبقة الأثرياء على حساب الطبقة الوسطى, خاصة أن هناك أكثر من 158 أسرة أمريكية الأكثر ثراء, يشكلون أقل من 01.% من السكان تلعب تبرعاتها وتمويلاتها الدور الأكبر فى فوز المرشحين ومن ثم تبنى السياسة الاقتصادية التى تدعم مصالحهم, كما أنه يعيد تشكيل الخريطة السياسية لتكون تعبيرا عن شبكة المصالح والتكتلات وليس عن المواطن الأمريكى وتوجهاته. ثانيا: تلعب ما يسمى جماعات الضغط أو اللوبى دورا محوريا فى دعم وفوز المرشحين خاصة مرشحى الكونجرس للتأثير عليهم بعد فوزهم لتبنى التشريعات التى تخدم مصالح تلك الجماعات داخليا وخارجيا, ومن أبرز تلك الجماعات المنظمة اليهودية الإيباك التى تمول وتدعم مرشحى الرئاسة والكونجرس لتبنى وجهة النظر الإسرائيلية والدفاع عن قضايا إسرائيل خاصة فيما يتعلق بالصراع مع الفلسطينى, وهو ما أدى إلى الانحياز الأمريكى المتواصل لإسرائيل على حساب الفلسطينيين, ومنها قانون أصدره الكونجرس بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. ثالثا: أحد العوامل المرجحة لفوز كلينتون فى الانتخابات الرئاسية المقبلة هو نجاحها فى جمع تبرعات ضخمة، مقارنة بالمرشح ترامب, خاصة من جانب اللوبى اليهودى ورجال الأعمال فى الحزب الديمقراطى. ورغم أن ترامب من أحد أثرياء أمريكا فى مجال العقارات, وهاجم سياسة كلينتون فى جمع التبرعات, إلا أنه اضطر لتعديل سياسته والاتجاه إلى الحصول على التبرعات بعد تفاقم مديوناته والتى تجاوزت 650 مليون دولار. إن ظاهرة المال السياسى تكشف عورات النظام الديمقراطى الذى تروج له أمريكا فى العالم والذى أصبح تعبيرا عن أصحاب المصالح وليس تعبيرا عن الإرادة الشعبية الحقيقية. لمزيد من مقالات د . أحمد سيد أحمد