أشارت مصادر إعلامية أمريكية إلي أن الولاياتالمتحدة تجري مباحثات مع السلطات المصرية لصياغة نوع من التعاون الأمني والاستراتيجي, يشمل تبادل المعلومات العسكرية والمخابراتية مع القوات المسلحة والشرطة بخصوص نشاط العناصر الإرهابية الموجودة في سيناء. برر بعض المسئولين في البنتاجون هذا التوجه الأمريكي بأنه لمواجهة الفراغ الأمني في سيناء, ورأت مصادر أمريكية أن مصر بدأت تتجاوز الحساسيات الخاصة بسيادتها, والتي كانت تؤخر هذا التعاون, وأصبحت الآن أكثر قبولا له. وقيل إن هذا التعاون يمكن أن يكون علي نمط التعامل مع اليمن, ويشارك فيه الجيش الأمريكي بصورة مباشرة من خلال المراقبة الإليكترونية ومنظومة أمنية لاعتراض الاتصالات واستخدام الطائرات بدون طيار, والمشاركة في جمع المعلومات الاستخباراتية حول نشاط المجموعات الإرهابية في المنطقة. وتمت الاشارة إلي أن هذا التعاون سوف يكون مجالا لنقاش موسع خلال الفترة القادمة, وسوف يتم تخصيص جزء من المعونات العسكرية لمصر خلال العام القادم لتغطية نفقاته. ولاشك أن هذا التوجه الأمريكي يحمل الكثير من الدلالات التي تستحق الوقوف عندها خاصة في ضوء ما يلي: أولا: أن هذا التوجه سبقه علي مدي عامين تصريحات لكبار المسئولين الإسرائيليين والأمريكيين العسكريين ورجال المخابرات حول وجود فراغ أمني وتهديد لأمن إسرائيل من داخل سيناء, واتهامات لمصر بعدم قدرتها علي مواجهة ذلك, ومطالبة بعض كبار المسئولين من البلدين كذلك بضرورة توفير مظلة أمنية دولية في سيناء أو حتي ثلاثية بمشاركة الولاياتالمتحدة وإسرائيل ومصر. ثانيا: إن توصيف الفراغ الأمني يختلف في تقدير مصر عنه في تقدير كل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل, فإذا كانت مصر تراه في تزايد حالات الانفلات الأمني ولوجود نشاط لمجموعات تكفيرية في سيناء, والحل أن إعادة الأمن وفرض السيطرة وإعادة هيبة الدولة, وأن المعالجة لن تقتصر علي الملف الأمني, ولكن تتزامن مع الملفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لاستيعاب الإهمال الذي تعرضت له سيناء, في الوقت الذي تري إسرائيل والولاياتالمتحدة أن أي نشاط معارض لإسرائيل أو يدعم نشاط فصائل المقاومة أو توافر تسهيلات تتمتع به عناصرها هو الخطر الأساسي الذي يحتاج لتدخل جماعي لمواجهته. ثالثا: أن الهدف الرئيسي لهذا التوجه الأمريكي ليس أمن مصر بالدرجة الأولي, ولكن وطبقا لتصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية ووزير الدفاع الأمريكي في آخر زيارتين لهما إلي القاهرة, المحافظة علي أمن إسرائيل الذي يمثل جوهر استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط, والهدف الثاني هو إعادة مصر إلي منظومة الحرب الأمريكية علي الإرهاب( حسب وجهة النظر الأمريكية), والمشاركة في مواجهة التنظيمات الإسلامية المتطرفة, بعدما بدا من تغيير في الموقف المصري في هذا الخصوص عقب تغير خريطة القوي السياسية ذات النفوذ في النظام السياسي المصري. رابعا: أن هذا التوجه الأمريكي يستهدف كذلك, وبصورة غير مباشرة محاصرة التوجه المصري لتحسين العلاقات مع غزة, حيث إن التعاون الأمني والعسكري سوف يتضمن متابعة ومراقبة نشاط مجموعات وعناصر في بعض منظمات المقاومة الفلسطينية, خاصة التي تتحرك في سيناء للحصول علي السلاح وتهريبه للقطاع. ومع إدراك ما يمثله ذلك من اختراق وتهديد للأمن القومي المصري, إلا أنه يستهدف في النهاية إيجاد أرضية تعاون مع إسرائيل سوف تنسحب علي العلاقات المصرية الفلسطينية, وهو هدف إسرائيلي وأمريكي في النهاية. خامسا: إن القيادة العسكرية المصرية السابقة- خاصة المشير طنطاوي لم ترحب بهذا بالتعاون برغم تكثيف جهود وزارة الدفاع الأمريكية في هذا الخصوص, وتعدد زيارات وزير الدفاع الأمريكي ولجنة القوات المسلحة بالكونجرس الأمريكي لمصر لهذا الغرض, ويخشي أن تسعي واشنطن لاستثمار رضائها علي النظام السياسي الجديد في مصر لدفع الأمور في هذا الاتجاه. ويبدو التوجه الأمريكي في مظهره متجاوبا مع القلق المصري من نشاط الجماعات التكفيرية في سيناء, وحاجة مصر لمساعدات فنية وعسكرية تدعم القدرات المصرية لمواجهة ذلك, إلا أن الاشتراك في المنظومة الأمنية أو حتي مشاركة, تكون إسرائيل قريبة منها, يمثل محاولة لإعادة إطار العلاقات المصرية الإسرائيلية إلي ما كانت عليه قبل الثورة, ويؤكد أن جوهر المصالح والسياسة الأمريكية في المنطقة هو أمن إسرائيل, وأن الإدارة الأمريكية بأجنحتها السياسية والأمنية والعسكرية لاتزال تري أن العلاقات المصرية الأمريكية لابد وأن تمر من خلال مثلث العلاقات الثلاثية المصرية الأمريكية الإسرائيلية. كما يمكن تفهم أن هذا التوجه الأمريكي الإسرائيلي قد يمثل محاولة لاستيعاب الضغوط المصرية لتعديل البروتوكول الأمني في معاهدة السلام بتوفير بديل مؤقت يواجه التطورات الجارية في سيناء, ولا يغير من عناصر المعاهدة لفرض السيطرة المصرية المنقوصة عليها. وفي تقديري أن التوجه الأمريكي يحمل الكثير من المخاطر, حيث يمس بالسيادة المصرية بصورة مباشرة, ولعل ما يجري في باكستان واليمن يعتبر دليلا واضحا علي ذلك, حيث تتوالي الاحتجاجات حول قيام الولاياتالمتحدة بعمليات منفردة في مواجهة عناصر تري أنها إرهابية دون مراجعة السلطات المعنية في البلدين, كما أن الرقابة الإلكترونية واعتراض الاتصالات التليفونية قد لا تقتصر علي العناصر الإرهابية, ويمكن أن تمتد لتغطي مساحات وقطاعات أكبر في اختراق واضح يحظي بنوع من التغطية الشرعية. ويبدو أن القيادة السياسية والعسكرية المصرية أمام تحد واضح, ولاشك أن دراسة أبعاد هذا العرض الأمريكي وتداعياته يصبح أولوية حتي لا يبدأ الآن بمساعدات لمواجهة نشاط إرهابي في سيناء, وينتهي بمشاركة في منظومة أمنية طبقا للاستراتيجية والمصالح الأمريكية التي لا تتفق بالضرورة مع الاستراتيجية والمصالح المصرية, ومراجعة مبدأ قبول أن تقوم طائرات أمريكية بطيار أو بدون طيار بعمليات قصف واغتيال لعناصر مصرية حتي لو كانت إرهابية علي الأراضي المصرية, بما يمثل ذلك من انتقاص واضح للسيادة المصرية, كما أن سعي القيادة السياسية المصرية لاستعادة مصر لدورها الإقليمي, قد لا يستقيم بالدخول في مثل هذه المنظومة, ويدفع لتصنيف مصر ضمن تحالفات واستقطابات لا تخدم هذا الدور, ويمكن أن تحد من حركة مصر في النهاية. ومن الواضح أن هناك تحركا أمريكيا لاستيعاب تداعيات الثورات العربية خاصة المصرية علي التوازن الاستراتيجي الإسرائيلي في المنطقة, ومحاولة توسيع الدور الإسرائيلي في الترتيبات الإقليمية التي يجري التخطيط والإعداد لها, وهناك وساطات بريطانية وأمريكية لإعادة العلاقات الإسرائيلية التركية إلي ماكانت عليه, وكشفت مصادر إعلامية أمريكية وتركية متعددة عن ملامح في تغيير الموقف التركي, ومن أهم مظاهره الربط بين منظومة الدرع الصاروخي في كل من تركيا وإسرائيل, وتبادل المعلومات الاستخباراتية ضمن منظومة أمريكية أمنية, وكذلك إجراء الطرفين محادثات مؤخرا حول الأزمة السورية, ويأتي التوجه الأمريكي تجاه مصر في نفس الاتجاه. المزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات