لا يستطيع من لا يميلون إلى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وعادة ما يتحاملون عليه وعلى إنجازاته، أن يشككوا فى وطنيته ونزاهته وإخلاصه وتطلعاته نحو التحرر والاستقلالية والعدالة الاجتماعية، ليس فقط لمصلحة أبناء شعب مصر بل أيضاً لمصلحة الشعوب المغلوبة على أمرها فى دول أخرى محتلة، وكثيرا ما ضحت مصر فى عهده بالكثير لتلك الشعوب على حساب مصالحها وخيراتها، وإذا أردنا التحدث عن إيجابيات الزعيم الراحل، فهى كثيرة وعظيمة ومتعددة، فهو بلا جدال الذى خطط لثورة 23 يوليو 1952 بحكم أنه صاحب فكرتها وواضع لبنتها وجامع الضباط الأحرار للمشاركة فيها، وبالتالى مفجرها، هو وصحبه الذين اختاروا اللواء محمد نجيب وفاتحوه قبل القيام بها لتولي قيادتها، فقبل رحمه الله رغم ما فى ذلك من مخاطرة، بينما رفض آخرون!..لقد كان لعبد الناصر الدور الرئيسي في التحول من النظام الملكي إلي الجمهورى، وهو من اتخذ القرار بتأمين قناة السويس عام 1956 واستعادتها، بقدراته الشخصية، وقوة تأثيره وتعاطف معظم شعوب العالم معه ضد العدوان الثلاثى، فقد استطاع أن يحول الهزيمة العسكرية الثقيلة إلى نصر سياسي باهر نجم عنه أفول شمس امبراطورية بريطانيا العظمي التي لم تكن الشمس تغيب عنها، وفي عهده تم تمصير البنوك والشركات الأجنبية وإقامة المصانع والمشروعات الضخمة، وبناء السد العالي رغم التآمر والتحديات، وتبديل مصادر السلاح وتطوير القوات المسلحة ....الخ. أما عن السلبيات في عهده، فقد مست الحريات والمعارضين، كما كان هناك للآسف بعد شاسع عن الاتجاه إلى إقامة الدولة الديمقراطية العصرية، وبناء الإنسان المصرى المنتج في عمله والصادق في قوله، وكان لابد وأن ينجم عن ذلك ما توالى من أضرار ومخاطر وخسران، فمن وحدة بين مصر وسوريا دون دراسة كافية، إلى حرب في اليمن، وما نجم عنها من أضرار بالغة، إلي إغلاق خليج العقبة دون توقع للعواقب، وما ترتب على ذلك من هزيمة 5 يونيو 67، ويحسب للشعب المصرى الصبور الصامد تظاهراته العارمة يومى 9 ، 10 يونيو معلناً رفضه تنحي الزعيم، مطالباً باستمراره في تحمل المسئولية، واستجاب رحمه الله وصمد، واتخذ سلسلة من الإجراءات الجذرية أحدثت تغيرات عديدة، واستعادت القوات المسلحة قدراتها ونشاطها رويداً رويدا، وشاركت وحدات منها فى إلحاق خسائر جسيمة في صفوف قوات العدو طوال حرب الاستنزاف، حتى تمكنت قوات الدفاع الجوى فى 30 يونيو 1970 فى أواخر عهده من استكمال بناء حائط الصد في ملحمة بطولية رائعة، وكانت لذلك الحائط ضرورة وأهمية وفاعلية فى حماية التشكيلات البرية والأهداف الحيوية والطائرات، علاوة على صد الطائرات المعادية... إلخ ، وكان له دوره فى اتخاذ الزعيم الراحل الشهيد أنور السادات القرار الجرىء بحرب أكتوبر المجيدة. وأخيرا من محاسن الصدف أن يصبح يوم 30 يونيو 1970 عيدا للدفاع الجوى، وأن يصبح نفس اليوم عام 2013 عيدا لمصر وهو اليوم الذى قامت جموع الشعب المصري بأكبر مظاهرة عرفتها مصر (وربما العالم أيضا) عبر تاريخها الطويل وقدرت أعدادها بالملايين وشاهدها العالم كله باستغراب ودهشة على الفضائيات وقد اكتظت شوارع وميادين محافظات مصر بها، لتعلن وتجاهر في حسم وإصرار رفضها المطلق للحكم الذى كان قائما وقتها، وطالبت بالتحرر منه، متطلعة إلى مؤازرة قواتها المسلحة أملاً فى الخلاص والنجاة من براثن التخلف والرجعية والضلال، وكانت الاستجابة السريعة ليكتب الله النجاة لمصر المحروسة. جلال إبراهيم عبد الهادى مصر الجديدة