لا توجد حكومة فى العالم لا تمهد الرأي العام لقراراتها وتترك المواطنين حائرين بحثاً عن الأسباب أو تحمل النتائج أو الغضب الصامت إلا فى أرض المحروسة .. لا أحد ينكر حجم الانجازات التى تمت فى مصر فى السنوات الأخيرة فى كل المجالات، قد يرى البعض أن هناك أولويات سبقت وكان ينبغى أن تؤجل أو أن حجم الإنفاق تجاوز الإمكانات أو أن المشاركة الشعبية كانت ضئيلة ولا تتناسب مع حجم المشروعات إلا أن الحقيقة تؤكد أن هناك انجازات شعر بها المواطن المصرى فى كهرباء أضاءت بيته وطريق تغيرت ملامحه ومساكن ظهرت وعشوائيات اختفت وإنتاج جديد نزل إلى الأسواق وشعر به الناس, إن السؤال هنا: هل الحكومة قدمت صورة كل هذه الأشياء للرأي العام؟ هناك حلقات كثيرة مفقودة بين الدولة والرأي العام والحكومة بكل مؤسساتها هى التى تتحمل مسئولية هذا الغموض وكأنها تخجل مما فعلت .. قليلا ما رأيت وزيرا يقدم للناس صورة الحقيقة كيف كانت الأحوال وكيف تغيرت أو تحسنت .. لا أدرى هل ينتظر المسئول إذنا من احد؟ هل هو ممنوع من الكلام وكشف الحقائق؟ ولماذا كل هذا الغموض فى سياسة مؤسسات الدولة؟.. على الجانب الآخر فإن الإعلام اكتفى بمكاتب القاهرة وجلسات المؤسسات ومواكب النفاق التى يرى فيها البديل عن كل شىء .. إن صورة طريق أو محطة كهرباء أهم من عشرات الخطب الرنانة للمسئولين التى تنطلق على الشاشات فى مشاهد مكررة .. نحن أمام إعلام عاجز عن شرح الحقائق للناس وعلى سبيل المثال نجد شواهد كثيرة تضع الدولة كلها فى جانب والشعب فى جانب آخر.. مازالت حتى الآن سياسة الإصلاح الاقتصادي تحتاج إلى كشف الكثير من الحقائق ابتداء برفع الأسعار وانتهاء بإلغاء الدعم .. إن مؤسسات الدولة تكتفي بإعلان أرقام الاحتياطي والنمو والتضخم ولا احد يشرح كل هذه الأرقام للمواطنين ولا يعقل أبدا ألا تمهد الدولة الرأي العام لمثل هذه القرارات بحيث تهبط على رءوس الناس بلا مقدمات .. لماذا لا يخرج كل مسئول ويشرح للمواطنين أهمية وضرورة القرارات؟ ولماذا ينتظر الجميع توضيحا من رئيس الدولة ليواجه وحده الرأي العام؟ وما هى جدوى وجود كل هؤلاء المسئولين فى سلطة القرار؟!.. إن غياب الحقائق وعدم توضيح الصورة خطأ فادح يترك آثارا سيئة فى الشارع على أداء مؤسسات الدولة ولابد من الشفافية وتوضيح الأسباب حتى تكون هناك مشاركة فى صنع القرار وليس فقط تنفيذه بحيث يهبط على الناس بصورة مزعجة.. إن الدولة تسيطر الآن تماما على المؤسسات الإعلامية توجيها أو شراء أو تملكا وكان ينبغى أن يشارك الإعلام فى التمهيد لكل هذه القرارات ولا يقوم بتبريرها.. إن الأسعار والضرائب والدعم والرسوم كلها قرارات تحتاج إلى تمهيد بالحوار والرأي وليس بمجموعة منشورات على الشاشات لا تعنى شيئا أمام شعب لا يقرأ ولا يكتب.. هناك حروب صامتة يقودها عدد ليس قليلا من رجال الأعمال وسماسرة الأراضي فى مجلس الشعب للإيجارات القديمة وقد طالنى هجوم كبير حين دافعت عن سكان أصحاب الإيجارات القديمة وقلت لا يوجد مصرى واحد يوافق على طرد السكان من بيوتهم وطالبت برفع الإيجارات أو البحث عن بدائل لتعويض أصحاب العقارات, أما مبدأ طرد الناس فى الشوارع فهذا إجراء غير إنساني وإذا كان المُلاك ورجال الأعمال يجدونها فرصة الآن لاستصدار مثل هذا القانون فسوف يضع ذلك الدولة فى مواجهة ملايين السكان وسوف يترتب على ذلك كوارث أمنية كثيرة. إن رفع القيمة الإيجارية حق للمُلاك بالنسبة التى تحقق التوازن بين مصلحة الطرفين, أما استغلال الفرصة فى دوامة القوانين التى يتبناها مجلس الشعب فإن مبدأ الطرد جريمة لا يتحملها المجتمع فى مثل هذه الظروف الصعبة أمام زيادة الأسعار والضرائب والأزمة السكانية والملايين من أصحاب المعاشات.. لا أتصور أن من حق احد, أيا كان, أن يحرم مواطنا من حقوق المواطنة ولهذا أتعجب كثيرا من تلك الدعوات التى تطالب بإسقاط الجنسية عن مواطن مصري إلا إذا كان خائنا أو عميلا, أما أن تنطلق مثل هذه الدعوات من أفواه بعض الناس أو فى شطحات إعلامية غير مسئولة فهذا تجاوز كبير .. إن صكوك الوطنية حق مقدس وليس من حق أحد أن يمنحها أو يسقطها لأنها حق كفله الدستور ولا يجوز التلاعب فيه .. أما أن نسمع من يقول اللى مش عاجباه البلد يسيبها ويمشى.. هذه ليست عزبة يتحكم فيها صاحبها, إن لكل مصري حقوقا فى تراب هذا الوطن وأرضه وسمائه وخيراته.. فى بعض العهود السابقة كان البعض يلوح بهذا الفكر الخاطئ بإسقاط الجنسية عن مواطن لأنه اختلف فى فكر أو موقف سياسى ونسى هؤلاء أن الخلاف فى الفكر والرأي من ابسط حقوق المواطنة وانه لا يجوز أبدا لمواطن أن يشكك فى وطنية مواطن آخر. إن هذه الصور المتخلفة والعنصرية لا ينبغى أن تكون فى وطن يبحث عن العدالة الحقيقية وحقوق الإنسان والمواطنة الصحيحة.. إذا كانت الدولة فى لحظة حرجة وظروف صعبة قد حملت الطبقات الفقيرة أعباء سياسة الإصلاح الاقتصادي فلا ينبغي أبدا أن يكون ذلك على حساب العدالة الاجتماعية أو التوازن بين أبناء الوطن الواحد ويتحول المجتمع إلى وحوش تأكل بعضها كما فعل التجار فى رفع الأسعار أو المضاربة على الأراضي والعقارات أو انتهاز الفرص فى تحقيق المزيد من المكاسب فى ظل حالة التراخي التى اتخذتها الحكومة تجاه الرقابة على الأسواق .. إن امتهان الطبقات الفقيرة اكبر خطأ يرتكبه المجتمع ممثلا فى السلطة أو رجال الأعمال, لأن الخلل فى هذه المناطق يمثل تهديدا حقيقيا لاستقرار المجتمع وأمنه.. إن الملاحظ الآن أن هناك ضغوطا كثيرة على الطبقات الفقيرة وكان ينبغي أن يكون رأس المال أكثر فهما ووعيا للظروف التى تعيشها مصر ويتنازل عن جزء من مكاسبه لكى يشارك الدولة فى العبور من هذه العاصفة.. لا أدرى لماذا اتسعت المسافة بين الشعب والحكومة خاصة أن خيوطاً كثيرة تتقطع ولا تجد من يعمل على تواصلها, هناك غياب للحقائق وقليلا ما نجد مسئولا يواجه الناس ويشرح لهم ما يجرى ابتداء بالقوانين والقرارات وانتهاء بالسياسات العامة. هناك قوانين يصدرها مجلس الشعب كل يوم ولا احد يعلم عنها شيئا, مع أن المفروض أن القانون يأتى من وزارة العدل إلى مجلس الوزراء إلى مجلس الدولة إلى مجلس الشعب. هل يعقل أن تكون كل هذه المراحل إجراءات سرية غامضة ولا تناقش فى أى مرحلة من مراحلها .. على الجانب الآخر فإن الحكومة لا تعرض الحقائق حتى الأخبار الطيبة.لقد عرف المصريون الغاز فى البحر المتوسط من الإعلام الأجنبي, وأن مصر خلال عامين ستكون فى مقدمة دول العالم المنتجة للغاز.. لماذا تبخل علينا الحكومة بالأخبار السارة وتصدر لنا كل يوم أخبار الأسعار والتضخم وتخفيض الفائدة والدعم ورفع سعر البنزين وباقى الخدمات حتى الأسماك التى تنتجها المزارع لا احد يعلم أين ذهبت وأين تباع؟!.. أليس من حق الشعب أن يفرح إذا كان هناك ما يدعو للفرح وهذا الإعلام المتكاسل لماذا لا يخرج للشوارع ويقدم صورة ايجابية للحياة؟ هل كل شىء جرائم وقتل واعتداء وعشوائيات وغناء هابط ومسلسلات ساقطة حتى كرة القدم كان المصريون يحلمون بأن يحقق فريقهم القومى انجازا, أى انجاز ولكن للأسف الشديد عادوا بخفى حنين.. الشعب المصرى يريد هواء جديدا نقيا فمازالت بقايا الهواء الملوث تسرى فى الفضاء بعد أربع سنوات من حكم الرئيس السيسى المصريون يريدون مناخا أكثر شفافية وأكثر وضوحا وصراحة .. لقد تحملوا بكل الصبر أعباء المرحلة وهى قاسية وليس اقل من أن نمنحهم الأمل فى أن المستقبل أفضل.. هذا الإعلام الارتجالي يجب أن ينزل للناس ليس داعيا للإحباط أو الانكسار ولكن شارح للحقائق موضح للأشياء داع إلى إنسان أكثر عملا وإنتاجا .. أمام حفلات النفاق والكلام المعاد فهذه أساليب فات زمانها لأن الحقيقة لها ألف مصدر ولأن الإنسان يجلس فى بيته ويعرف كل شىء ولديه محطة إذاعية وأخرى تليفزيونية وثالثة على النت.. انه ليس فى حاجة إلى فضائيات تضلله أو تشوه الحقائق عنده .. افتحوا النوافذ للناس واسمعوا أصواتهم وتحاوروا معهم.. الخلاصة عندى أن الحكومة تعمل وتبذل جهدا كبيراً لا يصل للناس ولا يعرفون عنه شيئاً ولا يعقل أبدا أن يكون الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيسا للدولة ومتحدثا باسم الحكومة والوزارات وكل المؤسسات المسئولة .. وهذا يتطلب أن يقوم كل مسئول بدوره فى توضيح الصورة أمام الرأي العام وكشف الحقائق للمواطنين حتى لا تكون الحكومة فى واد والشعب فى واد آخر.. هناك انفصال شبكي بين الإعلام ومؤسسات الدولة وهو أحد الدعائم التى يقوم عليها كيان الدولة.. الحقيقة اقرب طريق للثقة والوضوح أفضل وسائل الإقناع والانجاز يخسر الكثير إذا بقى سراً غامضاً فى المكاتب وكأنه ضد القانون..
..ويبقى الشعر وَكانتْ بيْننا لَيْلْه نثرْنا الحبَّ فوقَ ربُوعهَا العَذراءِ فانتفضتْ وصَارَ الكونُ بستَاناً وفوقَ تلالها الخضْراءِ كم سكرت حَنَايانَا! فلم نعرفْ لنا اسْمًا.. ولا وَطًنًا ..وعُنوانَا! وكانتْ بيننَا لَيْلْه سَبْحتُ العُمرَ بينَ مِياهِهَا الزرقَاءِ.. ثم َّرَجعتُ ظمآنا وكنتُ أراكِ يا قدرِي مَلاكاً ضلَ مَوطنَه وعاشَ الحبَّ إنسَانَا وكنتُ الرَّاهبَ المسجُونَ في عَيْنيكِ.. عاشَ الحبَّ مَعْصيةً وذاقَ الشوقَ غُفرانَا وكنتُ أمُوتُ في عينيكِ.. ثمَّ أعُود يَبْعُثُني لَهيبُ العطرِ بُركانَا *** وكانتْ بيننَا لَيْلْه وَكانَ المْوجُ فِي صَمْتٍ يُبعثرُنَا علىَ الآفاق ِشُطآنَا ووَجهُ الليلٍ فوقَ الغيمةِ البيْضاءِ يحمِلنا فنبْني مِنْ تلال ِالضّوءِ أكْوانَا وكانتْ فرحة ُالأيامِ في عينيكِ تنثُرنِي على الطرقاتِ ألحانَا وَفوقَ ضِفافكِ الخضْراءِ نامَ الدهرُ نشوَانَا وأَقْسَمَ بعد طولِ الصَّدَّ أنْ يطوِي صَحائفنَا وَيَنسانَا وكانَ العمرُ أغنية ً ولحْنًا رائع َالنغمَاتِ أطرَبنَا وأشجَانَا وكانتْ بيْننا لَيْلْه *** جلستُ أُراقِبُ اللحظَاتِ فِي صمت ٍتودّعُنَا ويجْري دمعُها المصْلوبُ فوقَ العْين ألوانَا وكانتْ رِعشة ُالقِنديلِ في حُزن ٍتُراقبُنا وتُخفِي الدمْعَ أحيَانَا وكانَ الليلُ كالقنَّاص يَرصدُنَا ويسْخرُ منْ حكايانَا و روّعنَا قِطارُ الفجْر حينَ اطلَّ خلفَ الأفْق سكْرانَا تَرنحَ في مَضاجعِنا فأيقظنا وارّقنَا ونادانَا وقدّمنا سنين العمرِ قُربَانا وفاضَ الدَمعُ في أعماقنا خوْفاً..وأحزانا ولمْ تشفعْ أمام الدهِر شكْوانا تَعانقنا وصوتُ الرّيح في فزعٍ يُزلزِلُنا ويُلقي في رماد الضوءِ يا عمْري بقايانَا وسَافرنَا وظلتْ بيننَا ذِكْري نراهَا نجْمة ًبيضاء.. تخُبو حينَ نذكُرهَا وتهْربُ حينَ تلقَانَا تطُوف العمرَ في خَجلٍ وتحْكي كلَّ ما كانَا وكانتْ بيننَا لًيْلهْ
قصيدة "وكانت بيننا ليلة" سنة 1996 لمزيد من مقالات يكتبها فاروق جويدة