من بين أبرز الدعوات التى تتكرر بين الحين والآخر الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني، والغرض منها أن يتماشى هذا الخطاب مع احتياجات الإنسان، ويتفاعل مع قضايا المجتمع بصورة عصرية وإيجابية، فإذا كان الدين علاقة شخصية بين الإنسان وربه وصلة سماوية تربط الإنسان بالسماء، فإنه أيضًا علاقة إلهية بين الخالق والمخلوق، تسمو بالإنسان، وترتفع به إلى مرتبة عالية من التحضر والرقى والاستنارة العقلية والسعادة النفسية، مما ينعكس على تفكيره وسلوكه معًا. ولكن يحدث- وباسم الدين أحيانًا- أن يبعد البعض عن روح المحبة والتسامح، وينتقل إلى حالة أخرى لا إنسانية من التعصب والكراهية؟! فما أكثر الممارسات والجرائم التى اُرتكبت باسم الدين عبر التاريخ القديم والحديث والمعاصر، والدين منها براء، فهذا يشن حربًا على آخر باسم الدين، وذاك يسب آخر لنصرة الدين، وثالث يظلم آخر تحت دعوى تنفيذ تعاليم الدين! بل يسعى البعض لتحقيق أغراض ومصالح سياسية باسم الدين وتحت ستاره!! مثل استخدام شعارات وعبارات تغازل مشاعر المواطنين وعواطفهم الدينية، على الرغم من أن عالم السياسة عالم نسبي، فيه كر وفر، مفاوضات وتوازنات وتغييرات. وهنا تنبغى الإشارة إلى مجموعة من المبادئ والمنطلقات، أولًا: يدعونا الدين- كل دين- إلى الحب والتسامح والتعاون والعطاء وصُنع الخير وأعمال الرحمة مع الآخرين، حيث يتضمن الدين فى جوهره مجموعة من القيم والفضائل، يتوجب على الإنسان أن يمارسها، خاصة أن الدين يرفض الشكليات والمظاهر الخارجية الخادعة، لأنه حالة وجدانية، وإيمان قلبى عميق ينعكس بشكل أساسى على أفعال الإنسان ويتجلى فى سلوكياته، من خلال ممارساته العملية فى أمور حياته اليومية، هو تدين من أجل الخير العام ويحقق الصالح العام. ثانيًا: هناك خطورة تهدد مبدأ المواطنة، تتمثل فى خلط السياسة بالدين والعكس، من حيث توظيف الدين فى السياسة وتوظيف السياسة فى الدين، فإن ممارسة السياسة على أساس الدين، والعكس، إنما يضر بالمواطنة ولا يفيد أحدًا، فالخلط بينهما يقسم المواطنين من أبناء الوطن الواحد إلى طوائف، ويقسمهم إلى أغلبية وأقلية على أساس الدين الذى هو مقدس عند كل مكون من مكونات الجماعة الوطنية. ثالثًا: يتطلب تأكيد مبدأ المواطنة- عقيدة وإيمانًا- الحث دائمًا على عودة الدين إلى القلب ودور العبادة حيث الجامع والكنيسة، وعدم توظيفه سياسيًا، ومن ثم تسود المدنية حياتنا المجتمعية، من حيث فصل الدين عن السياسة، فيكون الدين لله والوطن لكل المواطنين، وتصير مصر حقًا لكل المصريين دون تفرقة أو تمييز بين مواطن وآخر، فقد أثبتت لنا حوادث التاريخ، البعيد والقريب، أنه متى التحم الدين بالسياسة- أو العكس- تأذى الدين وفسدت السياسة ولم تنتصر إلا خفافيش الجهل والتخلف التى تحكم باسم الدين، وتظن أنها تمتلك الحقيقة المطلقة، فترفض الآخر وتقصيه، وتنتفى معها ظاهرة «التعددية والتنوع» التى هى ظاهرة صحية فى أى مجتمع ينبض بالحياة. رابعًا: يرتبط تجديد الخطاب الدينى بتحديث مقررات التربية الدينية، وأذكر أننى شاركت فى عضوية لجنة تطوير المناهج بوزارة التربية والتعليم منذ سنوات قليلة (مادة التربية الدينية المسيحية)، وكان لأعضاء اللجنة من الخبراء والمتخصصين دور واضح فى تطوير المقررات وتحديثها، وبالمثل (مادة التربية الدينية الإسلامية)، وهو الأمر الذى أتمنى تكراره على فترات قريبة لتحديث تلك المناهج أولًا بأول، مع الاهتمام بإعداد مدرسين مؤهلين لتدريسها فى مدارسنا الابتدائية والإعدادية والثانوية. خامسًا: للأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء دور كبير فى تطوير الخطاب الدينى وتحديثه، عبر المدارس والكليات ومراكز التدريب التابعة لها، ونفس الحال بالنسبة للكليات الإكليريكية واللاهوتية فى الكنائس القبطية الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية، حتى ننظر إلى الدين نظرة إيجابية، صحيحة وصحية، تعكس علاقة الإنسان بالله الخالق، تُعلى التسامح وقبول الآخر، وتؤمن بحقيقة التعددية والتنوع والاختلاف الذى هو سنة الحياة. يقول أحد النُسّاك إنك تستطيع أن ترى الله الخالق على وجه كل إنسان تتقابل معه، فالإنسان- أى إنسان- هو خليقة الله ومن صنع يديه. لمزيد من مقالات ◀ د. رامى عطا صديق