عرفنا الدكتور حامد أبو أحمد ناقدا بارزا بما أبدعه فى نقد الشعر والسرد، معا، وبما راده فى مجال الواقعية السحرية، وفى مجال أدب أمريكا اللاتينية، والأدب الإسبانى، والأدب العربى الحديث، والترجمة، ثم عرفناه مبدعا ساردا، وكان أول الغيث من هذا الفيض الإبداعى إبداعه الجريئ السردالشجاع الممتزج بشىء من سيرته الذاتية، ومن نفسه، ومن بيئته الثقافية، فى الجانب العام منها، المتجلى فى شهادته الروائية (الشهاب)، وحين أطلق الشهاب مضى بين فريق النقاد المبدعين، أولئك الذين بدأوا نقادا، ثم أدركتْهم (حرْقة) الأدب بالقاف، أو بالفاء من أمثال: عبد القادر القط، وعز الدين إسماعيل فى عصرنا وغيرهما ، سواء منهم من استمر جامعا بين الإبداع السردى، أو الشعرى، من ناحية، والإبداع النقدى، من ناحية ثانية، أمْ من ضحّوا بأحدهما؛ حفاظا .......................... على الجانب الثانى، هكذا اقتحم حامد أبو أحمد عالم السرد كالشهاب فى (الشهاب)، ومن ثم أبدع روايته الثانية (فقراء المثل الأعلى)، ثم تجلى فى مكانه الجديد بعمله الثالث (صفوان الأكاديمى)، الذى جاء ممتزجا بذاته، ونفسه، و ببيئته الثقافية والاجتماعية، حيث تعددية الأصوات واتساع زاوية الرؤية، وتعميق منظار الاستبطان، بقدْر ما تتيح الإحاطة بالخارج، ليحيط السرد بالزمان والمكان: داخليا وخارجيا. الثقافة النقدية والتجريب الفنى فى تشكيلات التجنيس الأدبى. نلمح عنصر التجريب الفنى فى تشكيلات التجنيس الأدبى المتنوع على نحو يشارك فى نسيج البنْية الذاتية التجريبية، إذْ جمع السرد بين الأجناس الأدبية المتنوعة من: 1 الرسالة، وهى رسالة واحدة، فحسب، لكنها، وإنْ وردتْ فى مرة واحدة، فإنها تعدّ الأساس السردى، والركيزة السردية، ومنها، وبها، وبسببها، ولها كان السرد كله. بل كانت حركة دمائه وشرايينه، وعمد أركانه. بل منها الأساس الوجدانى للسرد كله. 2 الخطاب الاجتماعى، حيث الحديث عن الأرض، والفقر، والغنى، ومصر وأحوالها، وقد ورد ثمانى عشرة مرة. 3 الشعر الدينى، وقد ورد مرتين. 4 السرد التاريخى وقد ورد مرتين، أيضا. 5 تاريخ الحضارات والمدن وبخاصة الأندلس، حيث الصلة الذاتية الحميمة فى السرد بين الراوى والمرويّ عنه، وقد ورد خمس مرات. 6 الشعر العاميّ، وقد ورد مرتين. 7 التناص الصوفى، على وجه التحديد فى: فصوص الحكم لابن عربى، والمثنوى لابن الرومى، وقد ورد مرة واحدة ص 263، وهو متصل، كما هو واضح، بالوجدان والعشق الصوفى، الشريان الرئيسى، وعصب السرد الذى بين أيدينا. 8 شعر الحب العذرى والغزل والعشق والوصل والهوى والنسيب، وهذا النوع أكثرها على الإطلاق. إبداع العقل الباطن: من ذلك أستطيع أن أردّ السرد كله، هنا، إلى أحلام اليقظة الفنية، النابعة والمنبثقة من العقل الباطن، أو اللاشعور وتوارد الخواطر، وتتابع عناقيد الصور، حيث يصهر كاتبنا جبل الجليد الكامن فى الأعماق، ويمزْجه بالجزء العلوى منه، فى غمرة تلبّثه النص، ليكتب النص، بالضم، نفسه، بالفتح، مازجا بينه وبين الكاتب وخبرته وأحلامه، معا فى مفاصل: 1 الأحداث والمواقف والشخصيات، 2 فى سيادة ضمير السرد بالأنا، ضمير المتكلم المذكر بدءا وختاما. 3 هوية الزمان والمكان: تتجلى الهوية الذاتية للزمان والمكان، وهما عمادا أى عمل أدبى، وفنى، أ فعلى مستوى الزمان: يستهل السرد بعودة السارد من بعثته لى (فرنسا) ص5، (والواقعى مدريد)، و«عندما كنت أدْرس فى فرنسا شغلنى كثيرا متابعة ما يجرى على الساحة السياسية: الحكومة والأحزاب والبرلمان والانتخابات ورئيس الدولة». ص217، وفى ذلك الزمان كان يسكن فى منطقة شيراتون فى بداية الثمانينيات، وفى ذلك الزمان «كان فيه كيلو اللحم عند الجزار قد ناهز خمسة عشر جنيها ص22. ب أما على مستوى المكان: فمنذ السطر الأول ص 5 بدأ عمله الأكاديمى، وأقام فى شقته بمنطقة شيراتون، ويحدثنا عن مصر الجديدة، ص5، و6، والعودة من الدراسة فى فرنسا(مدريد)، ص5، والسربون ص 91، وباريس 142، بينما يذكر الأندلس ص 148 164، وموطن ميلاده ونشأه: شبين الكوم ص 15، و165، 215. ج وعلى مستوى شاغل الزمان والمكان: هو أستاذ جامعى، فى العنوان، واللقب، كما فصّلْنا، فى ص15.. إلخ، وفى صفات الأستاذ 23، وذهب إلى المملكة العربية السعودية، وعلى مستوى الواقع اعير إلى جامعة الرياض، وعاد منها بعد إعارة كاملة ص 383، وذلك كله واقعى. ولأن اللاوعى ركن ركين فى العملية الإبداعية، ولأنه لا إبداع دون خيوط من الذاتية، قلّتْ. أمْ كثرتْ، كانت تعددية الأصوات متناغمة مع روعة ذلك السرد فى أحلام اليقظة الفنية فى سرد صفوان الأكاديمى للمبدع الأكاديمى حامد أبو أحمد، الذى تحوّل عن مساره النقدى المعروف إلى مسار السرد فى أعماله الإبداعية الثلاثة: الشهاب، الشهادة الروائية، ثم فقراء المثل الأعلى، وأخيرا وليس آخرا صفوان الأكاديمى، وما سنراه فى عمله الرابع الذى مازال فى طور العملية الإبداعية.