الصوت العالى والألفاظ البذيئة بين الأجيال الجديدة فى الشارع المصرى والدراما والإعلام بشكل عام؛ أصبحا يمثلان ملامح ظاهرة عامة من الانحدار فى لغة الحوار داخل المجتمع، فكيف يرى الخبراء المتخصصون أسبابها وكيف نستعيد رقى وأخلاق الشخصية المصرية الأصيلة؟!. ................ د.محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق وعضو لجنة الفتوى يقول: يدعونا الله ورسولنا صلى الله عليه وسلم الى أن ننتقى كلماتنا، وإلى القول الحسن وحفظ اللسان بالكلمة الطيبة التى تعد صدقة ترفع مكانة الإنسان وحسناته الى منزلة عالية عند الله ، وتجنب الموبقات ومنها الغيبة والنميمة والكلمات البذيئة، وللأسف فإن الأسرة ليس لديها الوقت الكاف كى تعلم وتربى الآبناء، وتركتهم للتليفزيون والانترنت وما بهما من أفكار تربوية غير سليمة، لهذا لا بد من قيام الآباء والأمهات بتحمل مسئولياتهم فى تربية النشئ. وعلى كتاب الدراما مراعاة اختيار الكلام البعيد عن البذاءة وانحدار مستوى اللغة والحوار والاهتمام بالقيم الأخلاقية والأدب، ذلك أن التليفزيون يقتحم على الناس بيوتهم وأن الأسرة كلها بما فيها من أطفال ومراهقين يشاهدونها وهى تؤثر فى تربيتهم وتكوين شخصيتهم وبكل تأكيد أن دور المؤسسة الدينية وحدها لا يكفى ، ولابد من تكاتف دور المجتمع ككل من الأسرة و المؤسسة الدينية ووزارة التربية والتعليم والاعلام ليخرج لنا جيل سوى لا يشوبه أى أنحراف. د.آمنة نصير أستاذ الفلسفة بجامعة الازهر عضو مجلس النواب تقول إن تدنى لغة الحوار والتنابذ بالألقاب بالفعل هى ظاهرة مؤلمة ألمت بنا مؤخرا فلم يعد الانسان المصرى حلو الكلمة طيب المعاملة كما كان جزءا أصيلا من بنائنا الإنسانى عبر التاريخ، ولذلك أقول: انتبهوا لخطورة عدم الاكتراث بما يهدد مجتمعنا من انتشار تدنى لغة الحوار والصوت العالى والالفاظ غير اللائقة ، و تجنبوا كثرة وسرعة الغضب فى الشارع لأتفه الأسباب، والتنابذ بالألقاب والانحرافات السلوكية بين الأجيال الجديدة «بما لا يرضى الله»، فهى تعكس زحف وانحدار الثقافة السائدة والتى ساهم فيها العديد من الأطراف؛ الطرف الأول: غياب دور الأسرة فى تشكيل طفولة الفرد حيث إنها المسئولة عن 75% من تشكيل وتكوين شخصية الأبناء -من سن الثالثة الى السابعة- وما يتبقى من 25 % تشارك فيه أطراف أخرى، الطرف الثانى: غياب دور التربية والتعليم والمدرسة برسالتها التربوية، وبما لها من أدوار للارتقاء النفسى والثقافى والاجتماعى والانسانى لأبنائنا الطلاب داخل الفصول، الطرف الثالث: من نصيب دور الميديا بكل أشكالها من دراما وأفلام وأغانى هابطة والألفاظ التى يتفوه وينطق بها بعض من النجوم والفنانين المشهورين ليلتقطها أطفالنا وشبابنا على جميع المستويات الاجتماعية ويرددونها، فكانت سببا لانتشار الفساد والانحراف اللغوى والأخلاقى والسلوكى، مما أصاب هذه -اللبنات- بالمرض والضعف وهى غير مدركة لتاريخها وحضارتها ومن يتربص بنا من الأعداء لهدم مجتمعنا، لأنه سوء لغة الحوار والتدنى فى الألفاظ موضوع جد خطير لأن دون مبالغة يقدم للمجتمع أمراضا أخلاقية أشد خطورة من الأمراض العضوية، وتأثير الكلمة والدراما على النشء والمجتمع أخطر من أى تصور، ولابد أن نتقى الله فى بيوتنا ووطننا الجميل وتاريخنا وديننا وثقافتنا. «الجمهور عايز كده» د هناء السيد أستاذ مساعد الإعلام بجامعة المنوفية تقول: التليفزيون مازال يتربع على عرش أعلى نسبة مشاهدة ، ويقتحم كل بيت –فى المجتمعات النامية- ويحمل معه العشرات من المسلسلات والبرامج التى تلعب دورا كبيرا فى نشر هذه اللغة المتدنية التى تخص بعض الفئات المحرومة من الكثير من حقوقها والتى تعيش ظروفا بيئية صعبة من جهل وانحطاط أخلاقى بل تمارس العديد من الانحرافات، وحينما يسلط الإعلام الضوء على هذه النماذج من خلال نجوم وأبطال محبوبين للشباب والجمهور ومع التكرار والإلحاح لطرح ألفاظ وأفكار سلبية ومتدنية لا يجد الشباب نفسه الا مقلدا لهم فى سلوكياتهم وألفاظهم، خاصة أنه حينما ينجح عمل لأحد هؤلاء الفنانين ويسارع المنتجون بإنتاج عشرات الأعمال الدرامية وعند اعتراض النقاد وغيرهم تكون دائما الاجابة جاهزة بعبارة معهودة تقول: «الجمهور عايز كده» وان الدراما هى انعكاس للواقع، ويبقى المسرح الذى سيطرت عليه هو الآخر التفاهة والسطحية. بالتأكيد لا وألف لا. ليس هذا هو واقع المجتمع المصرى الثرى بنماذجه وقدواته فى كل مجالات الحياة وشبابه الواعى المكافح المجد على المستوى الاجتماعى والدينى والأكاديمى والمهنى الراقى فى كلامه وفكره وثقافته. جمال الباسوسى الاعلامى والباحث فى اللغة العربية يقول: تعرض المجتمع المصرى منذ السبعينيات فى القرن الماضى للعديد من التحولات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى أحدثت انقلابا فى منظومة القيم الاجتماعية والثقافية الإيجابية وحصول فئة من المجتمع على الأموال الطائلة، والانفتاح الاقتصادى وظهور مصطلحات سوقية ولا أخلاقية نتيجة سيطرة هذه الفئة غير المتعلمة والجاهلة على سلوك المصريين، والتى أفسحت المجال لانتشار قيم سلبية شوهت الشخصية والسلوك النمطى عند المصريين على الرغم من أن القدماء المصريين هم أول من اكتشفوا الضمير والفضيلة والأخلاق قبل الديانات السماوية، ومن ضمن القيم السلبية الجديدة هو ما أصاب لغتنا الجميلة من تدهور نتيجة ضعف تعليم اللغة العربية وتراجع دورها فى الحياة الثقافية وفى التعليم حيث اصبحت فى اخر القائمة من الاهتمام والدراسة، وأيضا غياب دور المؤسسة الدينية الحريصة فى التنبيه على لغة القرآن الكريم والتفكير، فكلما كان عقل الإنسان منظما كانت لغة الانسان منضبطة ومنظمة. وتخريج الآلاف من المدرسين والدعاة دون اهتمام بلغتهم. وهناك أيضا الإعلام الذى يشارك فى هذه المأساة فى حوارته ومسلسلاته وأغانيه الفجة، فنحن نعيش بالفعل محنة قاسية فى ظل اهمال لغتنا الجميلة حتى إن المحلات التجارية تختار أسماء أجنبية، رغم أن كل دول أوروبا تعتز بلغتها بل هناك أقليات مازالت متمسكة بجذورها، وأخيرا على أجهزة الدولة المسئولة اصدار تشريع استخدام اللغة العربية فى كل مراسلاتها. وعلى المدارس الأجنبية ضرورة وضع مناهج كاملة لتدريس اللغة العربية والتاريخ وهما من أهم الموارد التى تتشكل بها لغة وثقافة وشخصية الإنسان المصرى والعربى. «برواز لشخصيتك» صفا الفقى باحثة صحة نفسية وتعديل سلوكى تقول دائما: أنصح أبنى بأن يختار لنفسه بروازا لشخصيته، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قبل أن يبعث بالرسالة بروازه وعنوان شخصيته هو الصادق الأمين، ولدينا العديد من النماذج الايجابية فى المجتمع التى نجحت فى صنع براويز من نور حسن الخلق، يجب توجيه الابناء للاقتداء بها فى جميع المجالات منهم الفنان محمد صبحى، و لاعب الكرة محمد صلاح، والدكتور أحمد زويل، ود. مجدى يعقوب جراح القلب. ومن المهم جدا دور الأسرة فى زرع القيم والأخلاق لدى الأبناء، ومراعاة أنه عندما يأتى الابن بلفظ خارج أو متدنى ضرورة عدم توبيخه بل القيام بتوجيهه بالأسلوب التربوى والمصارحة والتواصل المستمر داخل الأسرة، ولا بد أيضا من تعديل الانحراف السلوكى للأبناء بعودة البرامج التليفزيونية التى تزرع القيم الإيجابية، وتقديم الندوات فى المدارس و مراكز الشباب والأندية خاصة فى فصل الصيف والاجازة وتقديم البرامج التوعوية للأهل ومتابعة ومراقبة البيئة المحيطة بالأبناء.