رغم إنتاجها خصيصًا للعرض على شاشات التلفاز خلال شهر رمضان الكريم، إلَّا أن الدراما التليفزيونية المعروضة حاليًا لا تخلو من مشاهد العري، إضافة إلى الإسراف في استخدام تعبيرات وألفاظ غير لائقة لا تتناسب وطبيعة الشهر، ناهيك عن خطورة ترسيخها لمفردات غير مستحبة في مجتمعنا، ألفاظ يرددها البعض في شوارعنا، كان على صناع الفن رفضها لا العمل على ترويجها، كما هو ملاحظ في النسبة الأكبر من مسلسلات لا يخجل صناعها من القيام بدورسلبي يهدم الأخلاق لا يبنيها.. "البديل".. طرحت الظاهرة على متخصصين في النقد والفن والاجتماع، وكان الإجماع على رفض الظاهرة، والتحفظ عليها، والتحذير من خطورتها، وسط طرح دعوات تطالب بضرورة رفع القنوات التليفزيونية شعار"للكبار فقط" على الأعمال التي تمثل خطورة على تربية النشء.. أبدت الكاتبة والناقدة علا الشافعي رفضها وجود الألفاظ الخارجة في الأعمال الفنية بشكل عام، سواء في شهر رمضان أو غيره من شهور العام، خاصة بعد تسببها في جرأة شبابنا واستخدامهم نفس الألفاظ على اعتبار أنها ضمن مفردات اللغة، والكاتب الواعي من يدرك طبيعة أحداث وشخصيات المسلسل الذي يكتبه، فعلى سبيل المثال مسلسل "سجن النساء" طبيعة الشخصيات الموجوده تسمح ولكن دون مبالغة، ولكن هناك أعمال لا يستحق أن تذكر فيها مثل هذه الألفاظ بشكل مبالغ فيه، وأوضحت الشافعي أن الكاتب وحيد حامد قدم في أحد مسلسلاته الشهيرة شخصية "قوادة" دون أن ينطق لسانها بلفظ واحد خادش للحياء، ولا ترى الشافعي مانعًا من تقديم بعض الأعمال على شاشة القنوات التليفزيونية مصحوبة بتحذير "للكبار فقط"، وهو ما فعله صناع مسلسل "موجة حارة" العام الماضي، بإشارتهم أن العمل لمن هم أكبر من 18 عامًا، حماية لمن هم أقل من ذلك عمرًا. وقالت د.هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع: إن الدراما التليفزيونية وصلت إلى هذا المستوى من الانحطاط لعدة أسباب، أهمها تساقط القيم منذ 40 عامًا في مجتمعنا بشكل عام، إضافة إلى إنهيار لغة التخاطب والتعامل بيننا، بعد سنوات عاش فيها مجتمعنا وسط أجواء محترمة، شهدت تعاملات راقية ومهذبة بين أفراد المجتمع، واختفت طرق ووسائل التربية الصحيحة للنشء، وكان هناك حرص من الآباء على معاقبة أبنائهم في حالات الخطأ لتقويم سلوكهم، ما تراجع حاليًا. وترى د.هدى زكريا أن التراشق اللفظي ظاهرة لا نراها فقط في الأعمال الفنية من سينما ومسرح وتليفزيون، ولكنها تتعدى ذلك لتصل إلى بعض رجال الدين والفتوى من نجوم شرائط الكاسيت، التي نسمعها في الشارع ووسائل النقل، بصراخهم وأدائهم المفتعل، مرددين ألفاظًا لا يجب أن تخرج عن رجال دين، ما تسبب في تنامي ظاهرة التلوث السمعي والبصري في مجتمعنا، وهو ما يجب الانتباه له والعمل على سرعة معالجته حتى لا يفسد المجتمع أكثر من ذلك، وكان طبيعيًّا أن تشهد الدراما تدهورًا في لغتها واستخدامها مفردات مبالغ فيها. السيناريست محمد السيد عيد، عبر عن أسفه للحال الذي وصلت إليه الدراما التليفزيونية، مؤكدًا رفضه القاطع لتداول الألفاظ المسيئة في الأعمال الفنية وكأنها شىيء عادي وواقعي، لافتًا إلى أن الواقعية في الفن تختلف عن الحياة، والعمل الفني مهما كانت واقعيته لا يجب أن يكون قبيحًا أو مقززًا، ويقول عيد: "إن الفن يلعب دورًا في الارتقاء بالذوق العام، وليس الانحدار به"، مطالبًا صناع الدراما بالسعي نحو المراهنة على بناء الإنسان، ومساعدته وإمداده بلغة راقية وجديدة تتناسب والمستقبل الذي نحلم به، لإغراقه في مستنقع من الألفاظ غير المستحبة، الهادمة للأخلاق، خاصة أن البعض وللأسف يرون أن السب والشتائم أشياء عادية وليست بغريبة على الشارع، ما تسبب في انهيارنا الثقافي، وعلينا سرعة معالجة الأمر والعمل على تقديم أعمال ذات قيمة وبلغة رفيعة. ويقول الناقد طارق الشناوي: إن الألفاظ المنتشرة في الشارع أصبحت قاسية وحادة، حتى في لغة التخاطب والتواصل الاجتماعي بين البشر، نجد كلامًا متجاوزًا في كل شيء. ويعيد الشناوي سبب تدني لغة الحوار في أعمالنا التليفزيونية إلى الكتاب الجدد المنتمين إلى زمن "الفيس بوك وتويتر"؛ لأنهم يكتبون الدراما مستخدمين مفرداتهم الخاصة التي يعرفونها هم وحدهم وجمهورهم من الشباب الذي يشكل نسبة تصل إلى 60% من المصريين، ويرى أنه من الصعب منع هذه الظاهرة نهائيًّا، ولكن من الممكن التقليل منها ومحاولة الدعوة إلى ترشيدها. ويصف الكاتب د.نبيل فاروق هذه الظاهرة بالكارثة؛ لأنه يملك هو وأفراد أسرته اختيار الفيلم الذي يناسب ذوقهم مشاهدته في السينما التي يفضلونها، وهذا مستحيل طبعًا أن يحدث بالنسبة للمسلسلات التي تعرض على شاشات قنواتنا وتشاهدها الأسر باختلاف الأعمار داخل كل بيت، لافتًا إلى منع أكثر من دولة كبرى في العالم عرض بعض المسلسلات التي ترى أنها تضر بمجتمعها أخلاقيًّا أو تساعد على انتشار لغة تخاطب غير مرغوبة بين أفراد المجتمع، وعلينا أن ندرك أن الحرية لا تعني الانفلات، ولا يجب أن تكون الحرية سببًا في الضرر بأخلاق الأجيال الجديدة، وإن وضع صناع العمل لافتة "للكبار فقط" على ما يقدمونه سيساعد ذلك للأسف في زيادة نسب إقبال الشباب والصغار علي المشاهدة. بينما يرى الكاتب والسيناريست نادر صلاح الدين، أن بعض صناع الدراما يعتقدون أن لغة الشارع يجب أن تُنقل كما هي إلى العمل الفني، وهو خطأ يقع فيه كثيرون؛ لأن اللغة الدرامية الأصل في الكتابة، وعلينا مراجعة تراثنا في السينما والمسرح والتليفزيون، قالوا وقدموا كل شيء دون أي تجاوزات أو خروج، والذكاء أن تقدم شخصيات ونماذج المجتمع السلبية بوعي شديد حتى لا نساعد على انتشارها، بدلًا من محاربتها وتقديمها على إنها مرفوضة.